علاجنا بين أيدينا
- مقالات ومقابلات صحفيه منقوله
- 12/6/2013
- 1646
- منقول للكاتب رشيد بن حويل البيضاني -جريدة الرياض
وفقه اللغة العربية يميز بين استخدامات حروف الجر تمييزا واضحا، لما لهذه الحروف من دلالات فى معنى الجمل والعبارات. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أرحنا يا بلال بالصلاة، ولم يقل أرحنا من الصلاة، فالصلاة هنا هي مصدر الراحة وسببها، وفيها تكمن السكينة، وهدوء النفس، ولو قال أرحنا من الصلاة لكانت الصلاة عندئذ عبئا ثقيلا على المرء وهنا ينبغي التخلص منه بالأداء حتى يشعر الإنسان بالراحة. هذا العلاج النبوي لأمراض النفس البشرية وبمنظار الكلمات السابقة خلال هذه العبارة الموجزة، قد أدركه العلماء فى العصر الحديث، إذ توصل فريق من العلماء البريطانيين مؤخرا إلى أن الذين يواظبون على أداء فروض الصلاة بمحبة صادقة بأديانهم، هم الأقل عرضة للإصابة بنوبات الاكتئاب بل تساعد على العلاجات الجسدية الأخرى بصورة كبيرة. وأوضح العلماء أن الاعتقاد بوجود قدرة أعلى من قدرات وإمكانات الإنسان يحسن بشكل ملموس علاج الأمراض النفسية وقد توصل هؤلاء العلماء إلى هذه النتيجة فى أعقاب أبحاثهم التى أجريت على أكثر من 159 مريضا بالاكتئاب، حيث تمت متابعتهم لمدة عام، كما تم تحليل ودراسة علاقة المرضى بالصلاة، ومدى قوة الروابط الإيمانية التى يتمتعون بها، ومواظبتهم على أداء شعائرهم الدينية وتأثيرها في استجابتهم لعلاج نوبات الاكتئاب، فالمواظبون إذن على أداء الصلوات أكثر استجابة للعلاج من الاكتئاب من غيرهم ممن لا يؤدون هذه العبادة. هذه الحقيقة العلمية التي توصل إليها العلماء بعد أكثر من أربعة عشر قرنا تفسر لنا تركيز الإسلام، قرآنا وسنة، على الأمر بأداء العبادات بعامة والصلاة على وجه الخصوص وقد يسأل البعض هنا من يحلو لهم الجدل العقيم، هناك العديد ممن يصلون ويعانون في نفس الوقت من الأمراض النفسية فما تفسير ذلك ؟!
من المؤكد أن العيب لا يكمن فى الصلاة، وإنما في المصلي ذاته، فالقضية لا تختزل في ركوع وسجود وقيام وقراءة، بقدر ما تكمن في تلك الحالة الإيمانية التي يستحضرها المصلي بين يدي خالقه وهو ما يعكسه حديث المسيء في صلاته، الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم، بإعادة صلاته عدة مرات، فهو وإن صلى أمام الناس، إلا أن الهدف الأسمى المنشود من هذه العبادة في استحضار عظمة الله والوقوف بين يديه، لم يتحقق. وهنا، علينا مراجعة صلواتنا، هل أتممنا ركوعها وسجودها ؟ هل خشعت فيها قلوبنا وجوارحنا، هل أمعنا النظر فى تلاواتنا لآيات القرآن الكريم ؟
إن لم تشعر مع صلاتنا بالراحة، وإن لم تفلح صلواتنا في خلق تلك السكينة داخل أنفسنا فلنعلم جميعا أن العيب في المصلين، لا في الصلاة. والأمر المؤكد، أن حقيقة اطمئنان النفس أو «النفس المطمئنة» لا تقتصر على أداء الصلوات وحسب بل هي كامنة في كل شعائر الدين الإسلامي الذي توجه فيه العبادات وهي الصلة والعلاقة الوثيقة بين المخلوق وخالقه لتحقيق خير الدنيا والآخرة لمن يؤدونها على الوجه الأكمل. وهكذا تحمل الأيام ــ وستظل إلى أن تقوم الساعة ــ تفسيرات تؤكد لنا عظمة الإسلام وتوضح لنا كيف أن المسلمين الأوائل كانوا عظماء، أصحاء، أسوياء، لأنهم أراحوا أنفسهم، ولم يستريحوا أبدا منها.
فمتى نحذو حذوهم ؟! قال تعالى «إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين» صدق الله العظيم.
أضف تعليقك على الموضوع