الفلوس تغير النفوس (قصة الغني والفقير)
- القصص والروايات
- 5/7/2014
- 2870
- للفائده
يُحْكَى أَنَّ رَجُلاً غَنِيّاً كَانَ عَلىَ قَدْرٍ كَبَِيرٍ مِنْ اَلثَّرَاءِ ، وَكَانَ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَشْغُولاً فِي إِدَارَةِ أَعْمَالِهِ وَشُؤُونِهِ ا?لْمَالِيَّةِ ، وَلاَ يَجِدُ ا?لْوَقْتَ ا?لْكَافِي لِلْجُلُوسِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَعَائِلَتِهِ جَلَسَاتٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ اَلرَّاحَةِ وَهُدُوءِ ا?لْبَالِ.
وَكَانَ لَهُ جَارٌ فَقِيرُ ا?لْحَالِ لاَ يَكَادُ يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ سَعِيداً فِي حَيَاتِهِ ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَ يَجْلِسُ ا?لسَّاعَاتِ ا?لطِّوَالَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَفْرَادِ عَائِلَتِهِ .
وَكَانَتْ زَوْجَةُ ا?لرَّجُلِ ا?لْغَنِيِّ تَرَى هَذِهِ ا?لْعَائِلَةَ ا?لْفَقِيرَةَ وَتَحْسُدُهُمْ عَلىَ تِلْكَ ا?لسَّعَادَةِ ا?لَّتِي تَفْتَقِدُهَا ، وَهِيَ اَلثَّرِيَّةُ ا?لْغَنِيَّةُ ، وَيَتَمَتَّعُ بِهَا هَؤُلاَءِ ا?لْفُقَرَاءُ ا?لَّذِينَ لاَ يَمْلُكُونَ شَيْئاً.
وَتَحَدَّثَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مَعَ زَوْجِهَا وَقَالَتْ لَهُ : يَا رَجُلُ مَاذَا تَنْفَعُنَا هَذِهِ ا?لأَمْوَالُ ا?لْكَثِيرَةُ وَنَحْنُ لاَ نَجِدُ طَعْماً لِلسَّعَادَةِ ، وَلاَ يَكَادُ ا?لْوَاحِدُ مِنَّا يَرَى ا?لآخَرَ ، بَيْنَمَا هَذِهِ ا?لْعَائِلَةُ ا?لْفَقِيرَةُ ا?لَّتِي تَعِيشُ بِجِوَارِنَا لاَ يَهُمُّهَا مِنْ أُمُورِ ا?لدُّنْيَا شَيْءٌ ، وَهُمْ فِي غَايَةِ ا?لسَّعَادَةِ وَا?لْهَنَاءِ .
وَفَكَّرَ ا?لرَّجُلُ ا?لْغَنِيُّ هُنَيْهَةً ثُمَّ وَعَدَ زَوْجَتَهُ ِبأَنْ يَتَفَرَّغَ لَهُمْ ، وَبِأَنْ يُخَصِّصَ بَعَضاً مِنْ وَقْتِهِ لِيَقْضِيَهُ مَعَهُمْ فيِ جَلَسَاتٍ هَادِئَةٍ هَانِئَةٍ.
وَفيِ ا?لْيَوْمِ ا?لتَّاليِ أَرْسَلَ ا?لرَّجُلُ ا?لْغَنِيُّ مَنْ يَدْعُو إِلَيْهِ جَارَهُ ا?لْفَقِيرَ ، وَا?سْتَغْرَبَ ا?لرَّجُلُ ا?لْفَقِيرُ تِلْكَ ا?لدَّعْوَةَ ، فَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ ذَلِكَ ا?لرَّجُلِ أَنْ يَدْعُوَهُ ، أَوْ حَتَّى يَشْعُرُ بِهِ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ وَعِنْدَمَا وَصَلَ اِسْتَقْبَلَهُ ا?لرَّجُلُ ا?لْغَنِيُّ بِلُطْفٍ وَأَكْرَمَهُ وَتَحَدَّثَ مَعَهُ بِهُدُوءٍ وَقَالَ لَهُ : أَرَاكَ يَا أَخِي تَجْلِسُ كُلَّ يَوْمِكَ فيِ ا?لْبَيْتِ ، أَلاَ تَجِدُ عَمَلاً تَعْمَلُ بِهِ.
فَقَالَ ا?لرَّجُلُ ا?لْفَقِيرُ : وَا?للهِ يَا أَخِي لَيْسَ عِنْدِي مَا أَعْمَلُ بِهِ ، فَأَقْضِي لِذَلِكَ كُلَّ وَقْتِي فيِ ا?لْبَيْتِ.
فَقَالَ لَهُ ا?لْغَنِيُّ : مَا رَأْيُكَ لَوْ أَعْطَيْتُكَ بَعَضَ ا?لْمَالِ كَرَأَسْمَالٍ تَشْتَرِي بِهِ بَيْضاً وَتَبِيعُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَتَرْبَحُ مِنْهُ ، وَبِذَلِكَ تَعْمَلُ وَتُطْعِمُ عِيَالَكَ ، وَلاَ تَرْجِعْ ليِ مَاليِ إِلاَّ بَعَدَ أَنْ تَتَحَسَّنَ أَحْوَالُكَ ، وَيُصْبِحَ لَدَيْكَ رَأَسْمَالٌ كَافٍ تَعْمَلُ بِهِ .
وَافَقَ ا?لرَّجُلُ ا?لْفَقِيرُ وَوَجَدَهَا فُرْصَةً سَانِحَةً لِيَعْمَلَ وَيَرْتَزِقَ وَيُطْعِمَ عِيَالَهُ بِكَرَامَةٍ ، وَأَخَذَ ا?لْمَالَ مِنْ اَلرَّجُلِ ا?لْغَنِيِّ ، وَعَادَ أَدْرَاجَهُ .
وَفيِ ا?لصَّبَاحِ ذَهَبَ إِلىَ ا?لسُّوقِ وَا?شْتَرَى بَيْضاً وَأَخَذَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي ، وَكَانَ فيِ سَاعَاتِ ا?لْفَرَاغِ بَدَلَ أَنْ يَجْلِسَ مَعَ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ ، يَأْخُذُ فيِ تَصْنِيفِ تِلْكَ ا?لْبُيُوضِ فَيَضَعُ ا?لْكَبِيرَةَ فيِ جِهَةٍ ، وَيَضَـعُ ا?لصَّغِيرَةَ فِي جِهَةٍ أُخْـَرى ، حَتىَّ يَبِيعَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهَا بِسِعْرٍ.
وَبَعَدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ نَظَرَ ا?لرَّجُلُ ا?لْغَنِيُّ مِنْ شُرْفَةِ مَنْزِلِهِ إِلىَ جَارِهِ ا?لْفَقِيرِ فَوَجَدَهُ مَشْغُولاً فيِ عَدِّ بُيُوضِهِ وَتَصْنِيفِهَا ، فَا?بْتَسَمَ ا?بْتِسَامَةً عَرِيضَةً يَمَلَؤُهَا ا?لْخُبْثُ وَا?لدَّهَاءُ . وَقَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَهَذَا هُوَ ا?لرَّجُلُ ا?لَّذِي تَقُولِينَ إِنَّهُ يَقْضِي كُلَّ أَوْقَاتِهِ مَعَ زَوْجَتِـهِ وَأَوْلاَدِهِ، اُنْظُرِي إِلَيْهِ مَاذَا يَفْعَلُ ا?لآنَ.
وَنَظَرَتِ ا?لْمَرْأَةُ فَرَأَتْ ذَلِكَ ا?لرَّجُلَ مَشْغُولاً عَلَى تِلْكَ ا?لْحَالَةِ ، فَتَعَجَّبَتْ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِهِ ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَعْرِفْ اَلسَّبَبَ ا?لَّذِي سَلَبَ مِنْهُ تِلْكَ ا?لسَّعَادَةَ ا?لَّتِي كَانَتْ تَحْسُدُهُ عَلَيْهَا . بَيْنَمَا كَانَ زَوْجُهَا يُشِيحُ بِوَجْهِهِ وَيُحَدِّقُ فيِ ا?لْفَرَاغِ لِيُخْفِيَ ا?بْتِسَامَةً خَبِيثَةً كَانَتْ تَرْتَسِمُ عَلىَ شَفَتَيْهِ.
أضف تعليقك على الموضوع