مامعنى كلمة أدب
- عادات وتقاليد ثقافه وتراث
- 31/10/2015
- 5058
- منقول للفائده
- كلمة أدب
كلمة أدب من الكلمات التي تطور معناها بتطور حياة الأمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلى أدوار المدنية والحضارة. وقد اختلفت عليها معان متقاربة حتى أخذت معناها الذي يتبادر إلى أذهاننا اليوم، وهو الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف القراء والسامعين؛ سواء أكان شعرًا أم نثرًا.
وإذا رجعنا إلى العصر الجاهلي ننقب عن الكلمة فيه لم نجدها تجري على ألسنة الشعراء؛ إنما نجد لفظة آدب بمعنى الداعي إلى الطعام؛ فقد جاء على لسان طرفة بن العبد :
نحن في المَشْتاةِ ندعو الجَفَلَى ... لا ترى الآدبَ فينا يَنْتَقِرْ
ومن ذلك المأدُبة بمعنى الطعام الذي يدعى إليه الناس. واشتقوا من هذا المعنى أدُبَ يأدُب بمعنى صنع مأدبة أو دعا إليها.
وليس وراء بيت طرفة أبيات أخرى تدل على أن الكلمة انتقلت في العصر الجاهلي من هذا المعنى الحسي إلى معنى آخر؛ غير أننا نجدها تستخدم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى تهذيبي خلقي؛ ففي الحديث النبوي: "أدبني ربي فأحسن تأديبي"3 ويستخدمها شاعر مخضرم يسمى سهم بن حنظلة الغنوي بنفس المعنى إذ يقول:
لا يمنعُ الناسُ منِّي ما أردتُ ولا ... أعطيهم ما أرادوا حسن ذَا أَدبا
وربما استُخدمت الكلمة في العصر الجاهلي بهذا المعنى الخلقي؛ غير أنه لم تصلنا نصوص تؤيد هذا الظن. وذهب"نالينو" إلى أنها استخدمت في الجاهلية بمعنى السنّة وسيرة الآباء مفترضًا أنها مقلوب دأب؛ فقد جمع العرب دأبًا على آداب كما جمعوا بئرًا على آبار، ورأيًا على آراء، ثم عادوا فتوهموا أن آدابًا جمع أدب؛ فدارت في لسانهم كما دارت كلمة دأب بمعنى السنة والسيرة، ودلوا بها على محاسن الأخلاق والشيم2. وهو فرض بعيد، وأقرب منه أن تكون الكلمة انتقلت من معنى حسي وهو الدعوة إلى الطعام إلى معنى ذهني وهو الدعوة إلى المحامد والمكارم؛ شأنها في ذلك شأن بقية الكلمات المعنوية التي تستخدم أولًا في معنى حسي حقيقي، ثم تخرج منه إلى معنى ذهني مجازي.
ولا نمضي في عصر بني أمية حتى نجد الكلمة تدور في المعنى الخلقي التهذيبي، وتضيف إليه معنى ثانيًا جديدًا، وهو معنى تعليمي؛ فقد وجدت طائفة من المعلمين تسمى بالمؤدبين، كانوا يعلمون أولاد الخلفاء ما تطمح إليه نفوس آبائهم فيهم من معرفة الثقافة العربية؛ فكانوا يلقنونهم الشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام، وأتاح هذا الاستخدام الجديد لكلمة الأدب أن تصبح مقابلة لكلمة العلم الذي كان يطلق حينئذ على الشريعة الإسلامية وما يتصل بها من دراسة الفقه والحديث النبوي وتفسير القرآن الكريم.
وإذا انتقلنا إلى العصر العباسي؛ وجدنا المعنيين التهذيبي والتعليمي يتقابلان في استخدام الكلمة؛ فقد سمى ابن المقفع رسالتين له تتضمنان ضروبًا من الحكم والنصائح الخلقية والسياسية باسم "الأدب الصغير" و"الأدب الكبير". وبنفس هذا المعنى سمى أبو تمام المتوفى سنة 232هـ/846م الباب الثالث من ديوان الحماسة الذي جمع فيه مختارات من طرائف الشعر، باسم باب الأدب. وينطبق هذا المعنى تمام الانطباق على كتاب الأدب الذي عقده البخاري المتوفى سنة 256هـ/870م في مؤلفه المشهور في الحديث، والمعروف باسم الجامع الصحيح كما ينطبق على كتاب الأدب الذي صنفه ابن المعتز المتوفى سنة 296هـ/908م. وفي هذه الأزمنة أي في القرنين الثاني والثالث للهجرة وما تلاهما من قرون كانت الكلمة تطلق على معرفة أشعار العرب وأخبارهم، وأخذوا يؤلفون بهذا المعنى كتبًا سموها كتب أدب مثل "البيان والتبيين للجاحظ" المتوفى سنة 255هـ وهو يجمع ألوانًا من الأخبار والأشعار والخطب والنوادر، مع ملاحظات نقدية وبلاغية كثيرة. ومثله كتاب "الكامل في اللغة والأدب للمبرد" المتوفى سنة 285هـ، وقد وجه اهتمامه إلى اللغة لا إلى البلاغة والنقد كما صنع الجاحظ، وقدم فيه صورًا من الرسائل النثرية التي ارتقت صناعتها في تلك العصور، جاء في مقدمته: "هذا كتاب ألفناه يجمع ضروبًا من الآداب ما بين كلام منثور وشعر مرصوف ومثل سائر وموعظة بالغة واختيار من خطبة شريفة ورسالة بليغة". ومما ألف في الأدب بهذا المعنى كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة المتوفى سنة 276هـ و"العقد الفريد" لابن عبد ربه المتوفى سنة 328هـ و"زهر الآداب" للحصري المتوفى سنة 453هـ.
ولم تقف الكلمة عند هذا المعنى التعليمي الخاص بصناعتي النظم والنثر وما يتصل بهما من الملح والنوادر؛ فقد اتسعت أحيانًا لتشمل كل المعارف غير الدينية التي ترقى بالإنسان من جانبيه الاجتماعي والثقافي؛ فقد جاء على لسان الحسن ابن سهل المتوفى سنة 236هـ: "الآداب عشرة؛ فثلاثة شهرجانية1، وثلاثة أنوشروانية2، وثلاثة عربية، وواحدة أربت عليهن؛ فأما الشهرجانية فضرب العود ولعب الشطرنج ولعب الصوالج، وأما الأنوشروانية؛ فالطب والهندسة والفروسية، وأما العربية فالشعر والنسب وأيام الناس، وأما الواحدة التي أربت عليهن فمقطعات الحديث والسمر وما يتلقاه الناس بينهم في المجالس"3. وبهذا المعنى الواسع نجدها عند إخوان الصفا في القرن الرابع للهجرة؛ فقد دلوا بها في رسائلهم إلى جانب
علوم اللغة والبيان والتاريخ والأخبار على علوم السحر والكيمياء والحساب والمعاملات والتجارات1. ولا نصل إلى ابن خلدون المتوفى سنة 808هـ حتى نجدها تطلق على جميع المعارف دينية وغير دينية؛ فهي تشمل جميع ألوان المعرفة وخاصة علوم البلاغة واللغة، ومن ثم قال: "الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارهم والأخذ من كل علم بطرف"
أضف تعليقك على الموضوع