أي جيل هذا الذي نُعده ونربيه؟
- مقالات ومقابلات صحفيه منقوله
- 11/3/2016
- 1368
- أبو لجين إبراهيم آل دهمان -الرياض
أي جيل هذا الذي نُعده ونربيه؟
في الحياة الواقعية، قد لا يستطيع بعض الآباء إقناع أطفالهم بما يريدونه منهم، أو إجبارهم على فعل أو ترك, فيقومون بفرض عقوبة جسدية عنيفة عليهم, وهو ما يترك آثارا نفسية قد يكون من الصعب تلافيها أو علاجها في الكبر, حيث أثبت الطب النفسي الحديث أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف في الصغر يعانون من مشاكل نفسية متعددة تؤثر على أكثر من جانب في حياتهم وسلوكهم.
وقد أفزعني ذلك الإحصاء الصادر عن برنامج الأمان الأسري الوطني, والذي كشف عن أن معدلات الاعتداء على الأطفال داخل السعودية ارتفعت ثمانية أضعاف، وبحسب الإحصاءات فإن سوء المعاملة من أبرز المشكلات التي رصدها، وهي تأخذ أشكالاً كثيرة، منها: البدني، والجنسي، والإهمال, فنسبة التعرض للاعتداء البدني وصلت إلى 58.4 في المائة، والجنسي 18 في المائة، والإهمال 31.4 في المائة.(الحياة السعودية 5/3/2016).
ووفقاً لدراسة برنامج الأمان الأسري، فإن نسبة الاعتداء البدني من الأب تمثل 20.2 في المائة، والأم 29.2 في المائة، ومن غيرهم من أفراد الأسرة 21.3 في المائة، أما نسبة الاعتداء من غير أفراد العائلة، كالسائقين أو الخادمات فبلغت 5.6 في المائة، أما نسبة الغرباء فتمثل 23.6 في المائة, كما أظهرت الدراسة أن من بين الحالات المبلغ عنها كان 78 من الأطفال الطبيعيين، في حين كانت 11 حالة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
جدير بنا, ونحن بين يدي هذا الإحصاء, أن نتذكر أن الطفولة عالم خاص له كينونته المستقلة التي تحدد إلى حد بعيد حياته حاضرا ومستقبلا, ولذا جاءت شريعتنا الغراء بتوجيهات دقيقة ولمحات تربوية كي يستقيم العود في منبته الأول, ويشب قويا على كافة المستويات جسديا وإيمانيا وخلقيا ونفسيا, فيعود نفعه على ذاته ومجتمعه وأمته.
ومن أعظم تلك الإرشادات, والتي تعني بالحفاظ على الصحة النفسية عند أجيال المستقبل, النهي عن القسوة وممارسة العنف مع الأطفال, فقد جاء في مسند الإمام أحمد قول رسول الله صلى الله عليه سلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع".
وفي هذا الحديث النبوي إشارة إلى أن أطفال ما قبل العاشرة لا يجوز في حقهم الضرب مطلقا, حتى على ترك الصلاة, وعند العاشرة يكون الضرب غير المبرح في شيء على قدر الصلاة في الأهمية والمكانة, وليس عند كل بادرة خطأ من الطفل يواجه بهذا الأسلوب الغليظ الخشن.
وما كانت تلك التوجيهات إلا للحفاظ على الصحة النفسية لأجيال المستقبل , والتي ستتبوأ مكانها في قيادة الدفة يوما ما, فمن الناحية السلوكية يتسم الأطفال الذين يتعرضون للعنف والقسوة بالعصبية الزائدة، واللجوء المستمر للكذب، والرغبة في ممارسة العدوان والعنف المضاد والذي قد يتمثل في تحطيم الأثاث المنزلي أو المدرسي، والتنكيل بالحيوانات الأليفة, كما سيتعزز لديه حب التسلط مما يجعله يمارس هذا العنف على نطاق واسع عند الكبر مع أصدقائه، وزوجته وأطفاله أيضا.
ومن الناحية الاجتماعية فإن ممارسة العنف مع الطفل في الصغر تجعل الصغير يفقد القدرة على التعامل الإيجابي مع المجتمع, ويصبح انعزاليا خجولا، حيث يقطع صلته بالآخرين، ويتجنب المشاركة في النشاطات الجماعية والاجتماعية.
ومما تؤكده الدراسات النفسية أن الطفل الذي يُمارس عليه العنف باستمرار يتبلد لديه الحس ويصبح قليل التأثر بالأحداث التي يعايشها, كما يتولد لديه الإحساس بالدونية نتيجة لمشاعر العجز والخوف المترسخة في نفسه.
والعقاب الجسدي الواقع على الأطفال من شأنه كذلك أن يعوق عملية تكوين الضمير, ويجعل من الطفل إنسانا يفتقر إلى الرقابة الذاتية ويخشى العقاب العاجل، ويرهب السلطة ويخافها دوما.
فأي جيل هذا الذي نعده ونربيه؟
أضف تعليقك على الموضوع