آفة التصنيف.. فلان «وش يكون»

آفة التصنيف.. فلان «وش يكون»

 

آفة التصنيف.. فلان «وش يكون»

طلب مني صديق أكاديمي ترشيح أسماء للمشاركة في ندوة خليجيّة موضوعها في الشأن الخليجي وشجونه. وكان أن اجتهدت في اختيار خمسة أسماء لزملاء فضلاء هم من القامات الوطنيّة التي عرف عنها الإخلاص والكفاءة. وما ان وصلته الأسماء حتى فأجاني باتصال غريب بدأه محتجاً وهو يسأل: كيف ترشّح فلان وفلان؟ وذكر اسمين أعتز بهما كثيراً. ولما سألته وما وجه الغرابة، فأجابني: ألا تعلم أن فلاناً متعاطف مع الجماعة الفلانيّة وأن فلاناً محسوب على التيار الفلاني، فقلت له – أيها الأكاديمي-وما وجه الضرر حتى وإن صحّ ما تقول فلكل حريته واستقلاليته في خصوصيته الفكريّة. لم يعجب صديقي رأيي فردّ هؤلاء لا مكان لهم في المناشط العلميّة وينبغي مواجهتهم وعدم إتاحة الفرصة لهم. فقلت له ضاحكاً: الذي أعرفه أن حلقات النقاش وندوات الحوار تحرص في غالبها على استضافة المختلف والمخالف، فالمختلف يثريها والمخالف تسمع منه ويسمع منها.

تجادلنا برهة من الزمن وكنت أسعى في نقاشنا إلى أن أبيّن له في هذه الجزئيّة أهميّة التفريق بين الحق الخاص للفرد في (حريّة) الرأي (والحق العام) للمجتمع ونظامه في ضبط السلوك المخالف. لم تنجح مناقشتي لحجج صاحبي في ثنيه عن الإصرار على حبس الزميلين في قفص "تصنيفه" فكان أن قلت له: لماذا لا تسأل نفسك عمن وضع لك هذه المحددات في تصنيف الناس؟ أليست أيضاً مدرسة فكريّة أخرى أنت تعتنقها صارت هي الحكم على الأشياء، والمتحكم في رؤيتك للناس والحياة. ولما طال النقاش استسلم أخيراً لفكرة إرسال الأسماء للجهة المنظمة للندوة وهو يطالبني بالحضور لأتأكد مما يقوله.

لا أعلم كيف أصبح التصنيف الممنهج للنخب والرموز مادة يوميّة ثقيلة تعتمد في وقودها على التخوين والإقصاء واستعداء السلطات بصور مشينة عبر القنوات والأقلام. ومن الشاشات الكبرى إلى الشاشات الصغرى عبر برامج الوسائط وشبكات التواصل الاجتماعي تنتقل حروب التصنيفات لتقدمنا لأجيالنا وللعالم بصورة منفرة وغير إنسانيّة.

وليتنا اكتفينا بآفة التصنيف الفكري هذه أملاً في أن يحلّها الوعي الفكري، ولكننا ابتلينا أيضاً بآفات من التصنيف الاجتماعي التي لا أساس لها من شرع أو خلق. إنّ سؤالاً أو تساؤلاً مثل فلان "وش يكون" كمقدمة للتصنيف ثم العزل أسهم في حرمان ضمير السائل من استقامته وحجب عن الوطن بعض أفضل المبدعين من أبنائه.

ومما لا شك فيه أن التصنيف يكون أكثر قسوة وأعمق أثراً حينما يعشعش على شكل "ثقافة" في مؤسسة رسميّة أو شبه رسميّة أو يصبح صفة مسؤول قدر الله أن يبتليه بحجب الفرص المتكافئة جراء تصنيفه الناس على هوى اللون أو القبيلة أو المنطقة. نعم قد يكون من حقك أن تختار بناء على تفضيلاتك الخاصة والعامة شريكك في التجارة، أو رفيقك في السفر، أو جليسك في مجلسك الخاص ولكن ليس من حقك أن تسحب هذا على كل شيء.

كم هو محزن أن ترى حالة مسؤول تصدّر لأمانة المسؤوليّة وهو يصطحب تصنيفه (الخاص) للناس إلى كرسي القرار الذي اؤتمن عليه ليجير هذا الموقع العام في خدمة مزاجه الخاص وتصنيفه المقيت.

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5

أضف تعليقك على الموضوع

code
||