لماذا أصبحنا ماديين؟

لماذا أصبحنا ماديين؟

 

لماذا أصبحنا ماديين؟

.. أمر طبيعي أن نكون كذلك؛ فالفطرة الإنسانية تحب المال، وتبحث عنه، وتتنافس عليه.. والحياة بلا مال صعبة، ومنغّصة، ومنكسرة.. والروح لا يعدلها إلاّ المال في متلازمة السعادة والعيش الكريم، ولكن السؤال الذي يُفترض أن نعيد صياغته: لماذا أصبح بعضنا أو معضمنا ماديين بلا قيم؟، وهو السؤال الذي يحكي واقعاً مؤلماً حينما نقف أو نقرأ أو نتابع قصصاً مع ضعاف النفوس ممن كذبوا على الناس في تعاملاتهم، أو غشّوهم في سلعهم، أو ظلموهم وأقصوهم في منافسة لم تكن شريفة، ولم تتوافر فيها معايير العدل والمساواة، بل أسوأ من كل ذلك من يتطاول على أموال الآخرين بالسرقة، أو المال العام بالنهب والفساد؛ بحثاً عن المال الزائف.

كل يوم نقف على حوادث مادية مخزية لم تحرسها القيم، ولم تنهض بأصحابها ليرو بركة المال الحلال، حيث هناك أناس لازالوا متمرسين على الكذب والغش والظلم في مهمة غير أخلاقية لسرقة الآخر، والتباهي بها، وجمع المال الحرام، والتلذذ به، من دون أن يكون هناك ضمير يتساءل أو يصرخ: من أين لك هذا؟، أو يتوقف ويعيد النظر، ويعود إلى عقله ومنطقه وعاطفته أحياناً ليجيب بصدق، ويتنازل، ويرّوض ذاته لتعيش بما كتبه الله له، وليس بما سيُكتب عليه، وهي نقطة في غاية الأهمية؛ إذا افترضنا أن هناك من هو في غمرة البحث عن المال، وفتنته، قادر أن يميز بين ذلك.

نفهم.. ونتفهم أيضاً أن هناك رحلات عمل متواصلة في هذه الحياة بحثاً عن المال، وهي رحلة متعددة المهام، والوظائف، والطموحات، والمسميات، والرغبات، ولكن هدفها واحد هو الحصول على المال الذي تستقيم معه الحياة، وتمضي إلى حيث الرزق المكتوب، حيث يكد الإنسان ويكدح، ويواصل سعيه بين نزول وصعود، وفرح وحزن، وكسب وخسارة، ولكنه راضٍ، وساعٍ، ومؤمن أن رزقه لن يأخذه أحد، وأيضاً مدرك أن قيمته وقيمه هما أساس تعامله، ومن سيجيب عن ذلك السؤال القادم إليه يوماً ما: «عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟»، وهو الجواب الذي لا يمكن أن نكذب على سائله، ولا غاية مراده، ولا نفرّ من عقابه!.

القيم.. ثم القيم هي من تحرّسنا أمام فتنة المال؛ فلا نمضي إلى حيث تريد النفس الأمارة بالسوء، ولا نتوقف زاهدين خائفين منه، وإنما متوكلين على الله، راجين فضله، ورزقه، ساعين في أرضه، صادقين مع الآخر، وهو الأهم لتحل البركة، وترتاح النفس، وتسمو في داخلها وتزهو وهي تناجي ربها بأن رزقها على نيتها الصادقة.

في المحاكم اليوم قضايا المال متعددة الأطراف، والدعاوي، ويقضي معها الإنسان سنوات طويلة من عمره لإثبات حقه، وربما لا يتلذذ به بعد الحصول عليه؛ لأنه فاته ذلك إما لمرض أو كبر سن، ولكن ما يؤلمك أن ترى الورثة في مهمة صراع حتمي مع المال، والخصومة بينهم وصلت إلى الفجور، والتنافر، والإقصاء، وربما القتل أحياناً، رغم أن من ترك لهم المال كان يفترض بهم أن يكون لهم عوناً على هذه الحياة، وذكراً طيّباً له على ما قدّم لهم، إلى أن الواقع اليوم صعب ومخيّب حين يدّعي أخ على أخيه بأنه سرق ورثه، أو يتيم يبحث عن حقه من أخٍ له ظلمه وسلبه، أو أخت لم تأخذ حقها من أخيها لأنه أعلم بمصلحتها.. كل هذه القصص والمواقف تعيدنا إلى فطرتنا في حب المال ولكن بلا قيم للأسف!.

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5

أضف تعليقك على الموضوع

code
||