التقديم والتأخير في بلاغة العرب:أسبابه ومواضعه

التقديم والتأخير في بلاغة العرب:أسبابه ومواضعه

 

عناصر الدراسة:
• تقديم لابد منه .
• تعريف التقديم و التأخير.
• فائدته .
• أقسام التقديم …
• أسباب ورود التقديم و التأخير .
• مواضع التقديم و التأخير .
• على سبيل الختم .
العرض :
1- تقديم لابد منه :
لقد شرف الله اللغة العربية و خصها بالعديد من الميزات و لعل أهمها كونها اللغة التي نزل بها خاتمة كتبه السماوية .. وهي إلى ذلك تمتاز بتنظيم تركيبي عجيب ، جعل نظامها اللغوي فريدا من نوعه لدرجة أنك إذا أردت أن تعوض الكلمة الواحدة في التركيب بكلمة غيرها ، يستحيل أن تجد مثلها في ذلك الجمال و اللطف الذي تميزت به تلك الكلمة في ذلك التعبير ، سواء من حيث لفظها أو أداؤها المعنى المراد والمقصود بعينه.
و قد تعددت مباحث اللغة العربية ، و تناولها علماؤنا بالكثير من التفصيل ، لدرجة يمكن أن نقول معها إن بعض المباحث و الأبواب قد قتلت بحثا ، و لكن الذي يختلف في هذه البحوث ، أو هذه المعالجات هو اختلاف درجة تناول المبحث أو الموضوع المتناول ، فقد يتناوله النحوي و البلاغي و الفيلسوف و المنطقي و غيرهم ، كل من زاوية رؤيته ، و حسب الأهداف التي سطرها ، و التي يريد تحقيقها من تناوله لذلك الموضوع .
و التقديم و التأخير من الموضوعات التي نالت حظا وافرا من الحديث سواء من قبل النحويين أو من قبل البلاغيين الذين أولوها اهتماما زائدا لشرف اللغة التي يدرسون نظمها و تركيبها .
و سندرس هذا الموضوع في إطار تناولنا للمسند والمسند إليه المعتبران ركنين أساسين في الجملة العربية.
2- تعريف التقديم و التأخير :
عندما نسمع `التقديم و التأخير` نعرف أننا بصدد الحديث في ترتيب عناصر الجملة العربية .و الجملة العربية إما فعلية و إما اسمية ، فإذا كانت فعلية فترتيب عناصرها واضح ، و الفعل هو المقدم في الترتيب على الأصل . أما إذا كانت اسمية و استوى طرفا التركيب و كانا معرفين معا ، فقد اختلف في أيهما يمكن أن تصدر به الجملة ، وأيهما تجعله خبرا ، فأما النحويون فلم يتعرضوا للتحديد ، بل تركوا للمتكلم الخيار ، و أجازوا أن يكون كل منهما هو المبتدأ والثاني هو الخبر ، و يعربون المقدم مبتدأ و المؤخر خبرا ، ” لكن البلاغيين بحثوا الأمر بحثا فكريا منطقيا دقيقا ، ناظرين إلى حال المخاطب ، و ما هو الأعرف لديه من ركني الإسناد اللذين هما من المعارف “ .
و من هنا يأتي التعريف الذي يُعرًّف به التقديم و التأخير و هو :”مخالفة عناصر التركيب ترتيبها الأصلي في السياق ، فيتقدم ما الأصل فيه أن يتأخر ويتأخر ما الأصل فيه أن يتقدم . و الحاكم للترتيب الأصلي بين عنصرين يختلف إذا كان الترتيب لازما أو غير لازم ، فهو في الترتيب اللازم ( الرتبة المحفوظة) حاكم صناعي نحوي ، أما في غير اللازم ( الرتبة غير المحفوظة) ، فيكاد يكون شيئا غير محدد، و لكن هناك أسبابٌ عامة قد تفسر ذلك الترتيب ” .
3- فائدة التقديم و التأخير :
للتقديم و التأخير فوائد جمة تعبر عن مدى سعي العربية إلى تحصيل جمال التعبير و الصياغة قبل كل شيء ، و لو كان ذلك على حساب الترتيب الذي وضعه الأولون لتراكيبهم .
يقول عبد القاهر الجرجاني رحمه الله متحدثا عن فائدته: ” هذا باب كثير الفوائد ، جم المحاسن ، واسع التصرف ، بعيد الغاية ، لا يزال يفتر لك عن بديعة ، و يفضي بك إلى لطيفة ، و لا تزال ترى شعرا يروقك مسمعه ، ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك و لطُف عندك ، أن قدم فيه شيء و حول اللفظ من مكان إلى مكان ” .
و قد تحدث غيره عن قيمة هذه الظاهرة في اللغة العربية بل وصفها بأنها” مظهر من مظاهر شجاعة العربية ؛ ففيها إقدام على مخالفة لقرينة من قرائن المعنى من غير خشية لبس ، اعتمادا على قرائن أخرى ، ووصولا بالعبارة إلى دلالات و فوائد تجعلها عبارة راقية ذات رونق و جمال”

  • أقسام التقديم:
    قسم الإمام الجرجاني التقديم إلى نوعين :
    1- ” تقديم على نية التأخير : و ذلك كل شيء أقررته مع التقديم على حكمه الذي كان عليه و في جنسه الذي كان فيه ، كخبر المبتدأ إذا قدمته على المبتدأ، و المفعول إذا قدمته على الفاعل منطلقٌ زيدٌ( و)ضرب عمرا زيدٌ(.
    2- تقديم لا على نية التأخير ، و لكن على أن تنقل الشيء عن حكم إلى حكم ، و تجعل له بابا غير بابه و إعرابا غير إعرابه ، و ذلك أن تجيء إلى اسمين يحتمل كل واحد منهما أن يكون مبتدأ و يكون الآخر خبرا له فتقدم تارة هذا على ذلك وأخرى ذاك على هذا ، و مثاله ما تصنعه بزيد و المنطلق ، حيث تقول مرة : ) زيدٌ المنطلقُ( وأخرى )المنطلقُ زيدٌ(. فأنت في هذا لم تقدم المنطلق على أن يكون متروكا على حكمه الذي كان عليه مع التأخير ، فيكون خبر المبتدأ كما كان ، بل على أن تنقله من كونه خبرا إلى كونه مبتدأ ، و كذلك لم تؤخر زيدا على أن يكون مبتدأ كما كان بل على أن تخرجه عن كونه مبتدأ إلى كونه خبرا.”
    و يضرب الجرجاني أمثلة أشد وضوحا على نماذج للتقديم بقوله :” و أظهر من هذا قولنا ضربتُ زيدا و زيدٌ ضربتُه ، لم تقدم زيدا على أن يكون مفعولا به منصوبا بالفعل كما كان ، و لكن على أن ترفعه بالابتداء ، و تشغل الفعل بضميره ، وتجعله في موضع الخبر له ”
    5- أغراض التقديم و التأخير :
    هناك العديد من الأسباب و الدواعي لتقديم المسند على المسند إليه لعل السبب المقدم عليها جميعا أن ذكره أهم من ذكر غيره، قال سيبويه في الكتاب ” و إن قدمت الاسم فهو عربي جيد، كما كان ذلك عربيا جيدا ، وذلك قولك : زيدا
    ضربت، والاهتمام والعناية هنا في التقديم و التأخير سواء ، مثله في ضرب زيد عمرا و ضرب عمرا زيد” .
    و هو ما أشار إليه الجرجاني بقوله:” و اعلم أن لم تجدهم اعتمدوا فيه شيئا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام. قال صاحب الكتاب و هو يذكر الفاعل و المفعول : كأنهم [إنما] يقدمون الذي بيانه أهم لهم و هم ببيانه أعنى، و إن كانا جميعا يُهمانِهم و يعنيانِهم ” .
    و قد عدد الإمام جلال الدين القزويني أسباب الورود التي نتحدث عنها و ذلك بعدما ذكر تقديم المسند إليه،قال فلكون ذكره أهم من ذكر غيره ، فذلك:
    أ‌- لكونه الأصل و لا مقتضى للعدول عنه.
    ب‌- لتمكين الخبر في ذهن السامع لأن في المبتدأ تشويقا إليه ..
    ت‌- لتعجيل المسرة أو المساءة للتفاؤل أو التطير .
    ث‌- لإيهام أنه لا يزول عن الخاطر ، أو أنه يستلذ به ، و قد يقوم المسند إليه بنحو ذلك من الأغراض.
    ج‌- قد يقوم المسند إليه بغرض تخصيصه بالخبر الفعلي ، و قصر هذا الخبر عليه … .
    و على هذه الأسباب مدار التقديم و التأخير ، و قد تكون هنالك أغراض أخرى تدعو إلى التقديم أو التأخير ، قد نعرج عليها فيما يلي من عناصر ، ضاربين لذلك أمثلة توضيحية .
    أ‌- الأغراض البلاغية لتقديم المسند:
    1- التخصيص و القصر :
    نحو قوله تعالى : (لله الأمر من قبل و من بعد )
    و قول الشاعر :
    عذبة ٌ أنتِ كالطفولة
    2- التفاؤل بما يسر المخاطب:
    نحو : ناجح أنت – نجحت العملية الفدائية / الجراحية
    3- إثارة الذهن و تشويق السامع :
    مثل قوله تعالى إن في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب ) (آل عمران/190).
    4- التعجب :
    مثل : لله درك!
    5- المدح :
    مثل : نعم البديل من الزلة الاعتذار
    6- الذم :
    مثل : بئس الرجل الكذوب.
    7- التعظيم :
    نحو :عظيم أنت .
    8- مراعاة توازن الجملة و السجع :
    نحو خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه) (الحاقة:30-31).
    ب‌- الأغراض البلاغية لتقديم المسند إليه:
    يقول السكاكي :”و أما الحالة التي تقتضي تقديمه على المسند فهي : متى كان ذكره أهم ، يقع باعتبارات مختلفة : إما لأن أصله التقديم و لا مقتضى للعدول عنه ، …، و إما لأنه متضمن للاستفهام ، .. و إما لتضمنه ضمير الشأن و القصة .. و إما لأن في تقديمه تشويقا للسامع إلى الخبر ليتمكن في ذهنه إذا أورده…” .
    و هناك من ذكر غير هذا فتأمله
    1- التشويق إلى الكلام المتأخر:
    نحو قول الشاعر :
    ثلاثة ليس لها إياب الوقت و الجمال و الشباب
    2- تعجيل المسرة:
    نحو قوله تعالى جنات عدن يدخلونها) (الرعد:23، فاطر : 33، النحل : 31).
    3- تعجيل المساءة:
    مثل :السجن عشرون عاما لقاتل الطفلة .
    4- للتبرك به:
    نحو :الله سندي . و نحو : الله غايتنا و الرسول قدوتنا و القرآن دستورنا و الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
    5- تقوية الحكم و تقريره :
    مثل و الذين هم بربهم لا يشركون) (المؤمنون:59).
    و بالعودة إلى ما كتب حول الأغراض البلاغية من التقديم و التأخير .. في كتب البلاغة قديمها و حديثها نلاحظ أن هناك عددا آخر من الأغراض نضرب عنها صفحا و نكتفي بما قلنا .
    6- مواضع التقديم و التأخير:
    أ‌- ما يجب تقديمه و لو تأخر لفسد معناه:
    1- تقديم المفعول به على فعله، كقولك : زيدا ضربت ، و فيه تخصيص له بالضرب دون غيره . و هذا الذي ذهب إليه المؤلف رأي أغلب علماء البيان.
    2- تقديم خبر المبتدأ عليه نحو: قائم زيد ، ..فإنك إذا أخرت الخبر فليس فيه إلا الإخبار بأن زيدا قائم لا غير من غير تعرض لمعنى آخر من المعاني البليغة .
    3- الظرف، و الغالب أنه يرد للدلالة على الاختصاص كقوله تعالى : (إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم)
    (الغاشية 25-26) .
    4- الحال فإنك إذا “قدمته فقلت : جاء ضاحكا زيدٌ فإنه يفيد أنه جاء على هذه الصفة مختصا بها “ .
    5- الاستثناء في نحو قولك : ” ما ضربت إلا زيدًا أحدًا ، فإنك إذا قدمته فانه يفيد الحصر” .
    و الملاحظ أن استفاضة الإمام عبد القاهر الجرجاني في البحث عن بالشواهد و الأمثلة سواء القرآني منها أو الشعري للتدليل على هذه الأغراض إنما كان المراد به إثبات الحضور القوي لهذه النماذج التي ادعى البعض من البلاغيين أن الغاية الأولى من التقديم و التأخير هي الاهتمام فقط . و لعل المتفحص لكتاب الدلائل يلحظ هذا الكم الهائل من الأمثلة التي ساقها المصنف رحمه الله .
    ب‌- ما يجوز تقديمه و لو تأخر لم يفسد معناه :
    و يقصد به كل كلام ورد فيه ذكر لشيئين أو أكثر ، و جاءت المذكورات متتالية ، فإن ترتيبها ذاك يكون لغاية معينة، و غالبا ما يكون الترتيب بذكر الأشرف فالأشرف ، و لو قدم المتأخر ما كان ذلك معيبا ، أو لو عكس الترتيب ما أخل بمعنى العبارة.انظر قوله تعالى فيما يلي : ( و ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض و لا السماء)( يونس:61) وقوله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض)(سبأ:3). فقدم سبحانه مرة الأرض و في آية أخرى قدم السماء و الترتيب كما قلنا إنما يكون بحسب رغبة المتكلم لا غير ، أو كما يقول صاحب الطراز :” فأنت ههنا بالخيار، فإن شئت قدمت المفضول لما له من المناسبة لمطلع الكلام ، و إن شئت قدمت الفاضل لما له من رتبة الفضل ” .
    و قد قسم الجرجاني رحمه الله مواضع التقديم إلى ما يلي :
    أ‌- الاستفهام :
    ” “الاستفهام بالهمزة “، فإن موضع الكلام على أنك إذا قلت :”أفعلت؟” ، فبدأت بالفعل، كان الشك في الفعل نفسه ، و كان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده.
    و إذا قلت :” أأنت فعلت؟” فبدأت بالاسم ، كان الشك في الفاعل من هو ، و كان التردد فيه” .
    و لا يخفى أن الغرض الحصول على إقرار من المخاطب بأنه الفاعل للذي تستفهم عنه . أو كما قال الجرجاني :” و اعلم أن الهمزة فيما ذكرنا تقرير بفعل قد كان ، و إنكار له لم كان ، و توبيخ لفاعله عليه” . و قد يكون الاستفهام بالهمزة لإنكار أن يكون الفعل قد كان من أصله . و مثاله قوله تعالى (أفأصفاكم ربكم بالبنين و اتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما) (الإسراء:40) .
    ب‌- النفي :
    “إذا قلت :” ما فعلت” ، كنت نفيت عنك فعلا لم يثبت انه مفعول ، و إذا قلت :” ما أنا فعلت ” كنت نفيت عنك يثبت أنه مفعول” . و إذا قلت :”ما زيدا ضربت ” فقدمت المفعول ، كان المعنى على أن ضربا وقع منك على إنسان، و ظن أن ذلك الإنسان زيد ، فنفيت أن يكون إياه.”
    و على خلاف ما ذهب إليه البلاغيون فهناك من لا يرى أن يلحق بباب التقديم و التأخير في البلاغة العربية تقديم أداة النفي على اللفظ الدال على العموم ، و لا العكس أي تقديم اللفظ الدال على العموم على أداة النفي ، يقول: ” فهذه قضية فكرية تتصل بأصل بناء الكلام في أدائه للمعاني ، و هي ترجع إلى قاعدة “سلب العموم أو عموم السلب ” فإذا سلط النفي على العموم لم يلزم منه نفي جميع الأفراد ، لأن المنفي حينئذ هو العموم لا جميع أفراده ، و إذا سلط العموم على المنفي بأداة النفي فإنه يدل حينئذ على نفي جميع الأفراد “ . مثل : ليس كل إنسان كاتبا ( بتسليط السلب على العموم معناها أن بعض الناس ليس كاتبا ، و هذه جملة صادقة) ، و لكن ” كل إنسان ليس كاتبا” بتسليط اللفظ الدال على العموم على الجملة المنفية المسلوبة ، و كأنك تقول لا أحد في الناس هو كاتب ، و هذا الحكم لا يصدق ، أي هو كاذب .
    جـ- الخبر :
    و هو نوعان أحدهما ظاهر غير مشكل :” و هو أن يكون الفعل فعلا قد أردت أن تنص فيه على وجه واحد فتجعله له ، وتزعم أنه فاعله دون واحد آخر ، أو دون كل أحد” .و الثاني أن لا يكون القصد إلى الفاعل على هذا المعنى و لكن على أنك أردت أن تحقق على السامع انه قد فعل ، و تمنعه من الشك ، فأنت تبدأ بذكره ، و توقعه أولا – و من قبل أن تذكر الفعل – في نفسه .. و مثاله قولك “هو يعطي الجزيل ” .
    د – غير و مثل :
    و هما مما يرى تقديمهما في الكلام ، و قد ذكر علماء البلاغة العربية ان هاتين الكلمتين غير و مثل” تلازمان التقديم في التراكيب البلاغية إذا أريد بهما الكناية عن الشخص الذي يجري الحديث عنه “ .و ذلك نحو قول الشاعر أبي فراس الحمداني :
    بلى، أنا مشتاق و عندي لوعة و لكن مثلي لا يذاع له سر
    و نحو قول أبي تمام :
    “و غيري يأكل المعروف سحتا و تشحب عنده بيض الأيادي”
    و نحو قول المتنبي في قصيدة يعزي فيها عضد الدولة ابا شجاع في عمته :
    مثلك يًثني الحزن عن صوبه و يسترد الدمع عن غربه
    و لم أقل “مثلًك” أعني بــه سواك يا فردا بلا مشبـــه
    7- على سبيل الختم :
    و بعد،
    يبقى موضوع التقديم و التأخير من الموضوعات التي تناولها الدارسون بالعرض و التحليل للوقوف على مدى شجاعة اللغة العربية في الخروج على المألوف الذي جاء في تركيبهم ، و لكن هذا الخروج على المعهود لم يكن ضربا من الخبط و العشوائية ، و لكن كان له ما يبرره ، و كانت له دواع اقتضاها التعبير أو المقام أو السياق الذي جاء فيه التغيير المتحدث عنه .. و منها التقديم و التأخير .. لقد كانوا في كل ذلك يستقرئون كلام العرب من منظوم ومنثور ، و خاصة القرآن الكريم، والشعر الذي كان و سيبقى ديوان العرب، الذي أرخ لحضارتهم ، و كان خير خازن لكل أسرارهم ، و أفضل أمين عليها.
    و الموضوع كما نرى متشعب وواسع ، و لا يمكن أن يحصر في هذه الصفحات القليلة ، و في هذا الوقت الوجيز.. و هو الموضوع الذي أسال الكثير من المداد .
    و كما نعرف فأغراض النحو والبلاغة و غيرها من علوم الآلة التي وضعها علماؤنا إنما كان الهاجس الأول وراءها هو خدمةً اللغة العربية للحفاظ عليها من الدخيل ، والسقيم، و مما يشوب التعبير السليم ، و بالتالي كانت كلها في خدمة القرآن الكريم الذي نزل باللغة العربية ، لغة أهل الجنة .
    فإن كنت أصبت فذلك مبتغاي و التوفيق من الله، و إن قصرت فحسبي جهد المقل .
    - استغرب بعضهم عدم إيلاء النحاة لموضوع الإسناد أهمية كبرى رغم ركنية العلاقة الإسنادية في الجملة العربية يقول:” لعله من المستغرب أن نجد النحاة لا يعطون الإسناد أهمية كبرى مع معرفتهم بان الكلام أو الجملة التامة –اسمية كانت أو فعلية – تتقوم من عنصري الإسناد (المسند إليه )و(المسند)، ذلك أن النحو في حقيقته هو الجملة و الإعراب ، فلا يعقدون له الباب الخاص، و إنما يذكرونه استطرادا ، و قد لا يذكره بعضهم حتى من باب الاستطراد . هذا بعكس ما نراه عند علماء المعاني ، فقد أعطوه الأهمية المطلوبة و أولوه الاهتمام المناسب. ومن هنا لا بد للباحث في الإسناد نحويا من الرجوع إلى دراسات علماء المعاني فيه” .
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 12 وإجمالي التقييمات 41

1 2 3 4 5

أضف تعليقك على الموضوع

code
||