المحقن وأبو لسان
- مقالات ومقابلات صحفيه منقوله
- 20/10/2016
- 1341
- منقول للكاتب جمعان الكرت - الرياض
المحقن وأبو لسان
ما إن يقعد على كرسيه الوثير حتى يهيئ أذنه ويشنف سمعه لسماع كلام "أبي لسان"، ذلك الموظف الذي يتجول ويتلصص بين مكاتب الإدارة، ويسجل في ذاكرته كل الأحاديث المنسكبة من أفواه زملائه؛ ليضيف عليها بحسب رغبته في إيذاء الآخرين، مستغلاً سطوة المدير وكرباجه الصلب لقمع من تصل عنه كلمة فيها خدش لهيبته أو انتقادٌ لطريقة عمله، التي أصلاً ما هي إلا غيبة أراد بها "أبو لسان" إشباع رغباته النفسية وفضوله من أجل التسلق والوصول إلى المكان الذي يطمح له؛ لمعرفته بضعف إنتاجيته، ورداءة عمله، مستفيدًا من اتساع "المحقن" أذن المدير لكل الكلام الذي ينثره يوميًّا. ويزيد انتشار أمثال أبي لسان وجود البيئة الخصبة التي تشجع على وجود مثله؛ إذ إن بعض المديرين يسرون من أصحاب الغيبة وتلصصهم بين المكاتب للاستماع لكل كلمة، سواء في الشأن الذي يخص إدارته، أو حتى الكلام في الجوانب الأخرى، بل يدفعونهم في حال تكاسلهم أو انشغالهم؛ ما يزيد حماس هؤلاء للقيام بالمهمة على أكمل وجه. والمدهش أن "أبا لسان" معروف لدى جميع الموظفين، ويعرفون "تقصده" لهم، حتى كبار الموظفين يخشونه خوفًا من صاحب القرار "أبي محقن" المدير، ويجد الناقل الخبير "أبو لسان" الحفاوة والاحترام من الجميع؛ كي لا ينقل عنهم كلامًا مزيفًا، أو يفشي سرًّا؛ لذا يتولد في الإدارة الكثير من أصحاب الألسن الناقلة في وجود مدير همه توسيع أذنه، وتقريبهم، ومنحهم المزايا.. طبعًا هذا أسلوب إداري قميء، يفسد جمال العمل، ويخلق بيئة منفرة، ويزيد التوتر؛ إذ إن كل موظف يخشى أن يُنقل عنه ما لم يقله، أو حتى يفكر فيه، وهنا يبرز أبو لسان بعضلات لسانه، لا بمنجزه، بالإيقاع بين المدير والموظف الذي لا يروق لمزاجه؛ ليكون مديرًا خفيًّا في جانب الشر.
والعجيب أن مثل هؤلاء يجيدون الحبكة المقنعة، ويضيفون المواقف، ويتربصون بمن لا يخضع لأوامرهم.. فالقرار في أيديهم؛ فالمدير ما هو إلا أداة مرنة وطيعة في أيديهم، يحركونه كيفما شاؤوا. وحين نتأمل في وضع إدارة، يوجد بها العنصران "أذن كالمحقن" "ولسان كالسكينة"، ماذا سيؤول إليه العمل؟ حتمًا سيكون خليطًا من القلق والتوجس والتربص والنفاق والغيبة.. وينعكس ذلك على طبيعة العمل؛ فيضعف الإنتاج، ويقل المنجز، وتتوتر العلاقة بين الموظفين.
وهنا ربما غفل المختصون في تقسيم أنواع الإدارة، كالإدارة الديمقراطية والدكتاتورية والفوضوية وغيرها؛ فهناك إدارة لم يتنبهوا لها، هي إدارة "أبي محقن"، الأذن المرهفة لسماع كل شيء، وفي كل شيء، وخصوصًا فيما يتعلق بالغيبة والنميمة.
ويبدو أن انتهاج بعض المديرين هذا الأسلوب لأسباب عدة:
أولاً: لضعف ثقته بنفسه.
ثانيًا: لقلة مفاهيمه في أصول الإدارة وأساليب تجويد العمل.
ثالثًا: لحرصه على البقاء على الكرسي أطول مدة ممكنة.
رابعًا: لسوء علاقاته الاجتماعية.
ويأتي الدور هنا على الإدارات العليا في اجتثاث مثل هذه العناصر التي لا تخدم العمل، بل تسيء له، واختيار الكفاءات الأجدر وفق معايير ومقاييس، يخضع لها أداء المديرين دون مجاملة لصداقة أو عواطف لذوي قربى، أو تحيز لقبيلة.
أضف تعليقك على الموضوع