ليس بالضرورة أن تكونَ قائدًا !
- مقالات ومقابلات صحفيه منقوله
- 6/12/2018
- 1264
- بقلم : الاستاذ طارق بن خويتم المالكي
ليس بالضرورة أن تكونَ قائدًا !
بقلم الاستاذ : طارق بن خويتم المالكي
أظن، في رأيي المتواضع، أن القيادة لم تتمتع عبر تاريخها العلمي الحديث بزخمٍ إعلامي هائل كالذي تتمتع به الآن؛ فقد ملأت الدنيا و أشغلت الناس، و أصبحت كلمة على كل لسان، و يتحدث بشأنها الأكاديمي و الأُمِّي، و أُقيمت عنها الدورات التدريبية، و أؤلفت فيها الكتب الكثيرة، و عُقِدت لأجلها الندوات و المؤتمرات، و أضحت الموضوع الأول الذي يتحدث عنه كل إنسان تقريبًا في حقل من حقول علم الإدارة، و تليها "إدارة التغيير" التي لا يتطرق إليها غالبًا إلا المختصون و المهتمون.
عندما يحظى أي علم بهذا الانتشار الواسع و الاهتمام الكبير، من الطبيعي أن يولد من رَحِمه مدارس متعددة، و تُكتشَف نظريات جديدة، و تُجرَى دراسات و أبحاث لا حصر لها. و من المألوف أيضًا أن يكون هذا العلم متغيرًا و متطورًا بمرور الزمن، و بمدى حاجة الناس إليه. وسيلة النقل، مثلًا، التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية تطورت على مرِّ العصور من الماشية إلى العربة إلى السيارة، و لا أستبعد أن نتنقّل قريبًا جدًا عبر السيارة الطائرة!
يمتلك علم القيادة أكثر من مائتي تعريف، و لعل أبسطها و أوضحها هو "القدرة على تحريك الناس نحو الهدف"، و تقول الدراسات أن ٢٪ من البشر وُلِدوا قادةً بالفطرة، أي يملكون منذ نعومة أظافرهم ما يتألق به القائد من مهارات، كالتأثير مَثَلًا و ليس حصرًا، و ٢٪ لا يصلح أن يكونوا قادةً على الإطلاق، و ماذا بشأن ٩٦٪ المتبقية؟! يمكن أن يكونوا قادةً ناجحين إذا تعلموا و تدربوا، و هذا ما أراه حاليًا في كل مكان تقريبًا.
أظن و لا أجزم أن ما يدفع الإنسان إلى الاتجاه نحو القيادة ليس ما يملكه من شغف أو مهارات بقدر ما يود أن يرى نفسه في دائرة الضوء، و أن تُنسب إليه الإنجازات، و أن يرضي غروره المتواضع (أو تواضع غروره!) في أعماقه. يكون هذا الكلام صحيحًا في البداية، و لكن عندما تدور عجلة العمل، و ترتفع المشكلات، كدوائر الصابون، أمام العين، فإنه حينها يظهر القائد الحقيقي الفعّال من عدمه.
أسلفتُ أن كل علم عندما يتطور فإنه ينتشر و يتمدد، و يظهر بأفكار متغيرة بين الحين و الآخر، و قد تنشقُّ منه علومٌ جديدة، و علم القيادة ليس بمعزل عن هذا كله. و قرأتُ قبل أيامٍ قلائل جُملةً "قيادية" بليغة: القيادة لا تعني بالضرورة وجودك في أعلى الفريق، و لكنها حتمًا تعني أنك دائمًا في المكان المناسب. قد يتعارض هذا المفهوم قليلًا مع عنصر من عناصر تعريف القيادة "تحريك الناس نحو الهدف"، و لكن القيادة الحقيقية هي أن يقود الإنسان ذاته أولًا، باكتشاف قِيَمه الفطرية و تنمية مهاراته الحقيقية، و سقاية مواهبه بماء الاهتمام و ضوء التدريب، و بعدها سينتهي به المطاف إلى المكان المناسب، الذي سيكون فيه سعيدًا و مُنجِزًا و مؤثرًا، و ليس بالضرورة أن يكون أعلى الفريق.
لا يعني ذلك، إن لم يمتلك الإنسان القيادة فطريًا، ألا يتعلمها و ألا يتدرب عليها، بل هذه مرحلة من مراحل من صناعة القائد، و لكن أن يبصر نفسه تابعًا قويًا أفضل من أن يكون قائدًا ضعيفًا، و أن يرى ذاته مستشارًا حكيمًا أفضل من أن يكون قائدًا متخبِّطًا. و الإنجاز في النهاية يولد من أداء فريق العمل و تعاضده؛ القائد و تابعيه دونما يُغنِي عضوٌ عن عضو.
القيادة رحلةٌ ممتعةٌ لمن شُغِف بها و امتلك ناصيتها فطرةً أو تعلمًا و تدربًا، و هي مُرهِقة و مُحبِطة لمن تطفّل عليها و ادّعى وصْلها، و أردد مع الشاعر القديم: و كلٌ يدَّعي وصلًا بليلى * و ليلى لا تُقِرُّ لهم بذاكا.
أضف تعليقك على الموضوع