رأيتُ كما يرى النائم -في أَثَرِ نجيب محفوظ
- مقالات ومقابلات صحفيه منقوله
- 6/1/2019
- 1173
- بقلم: طارق بن خويتم المالكي
رأيتُ كما يرى النائم -في أَثَرِ نجيب محفوظ
رأيتُ كما يرى النائم أن الشمسَ فرّت من النهار باكيةً، و ذهبت تدسُّ رأسها في حضن الليل، بعدما هاجمتها غاراتٌ من الغيوم المُتجهِّمة. فعلمتُ أنه الإسلام يشكو من المسلمين بسبب ضعفهم و تشرذمهم، فتكالبَ أعداؤهم عليهم!
رأيتُ شاةً سوداءَ لا تأكل سوى الأرواح، ترعى قطيعًا من البشر، و تجلب لهم ماءً مُلوّثًا و برسيمًا محروقًا، ثم تقودهم إلى شفَا جبلٍ، لتهوي بهم واحداً تلو الآخر. فعلمتُ أنه التطرّف بكل وجوهه و أشكاله!
رأيتُ الطائرةَ تحاول اللحاق بمُهرةٍ جريحة، و الرياحَ تجري لاهثةً وراء السلحفاة، و الأُسُودَ تولّي هاربةً عندما تعدو المها وراءها. فعلمتُ أن القيم انتكست و المعايير انقلبت في زمننا، فالحكمة أضحتْ جُبْنًا، و الحق باطلًا، و الأقارب عقاربًا!
رأيتُ السماء تنهمر دمعًا، و السحاب اسودّ وجهه هلعًا، و الرعد يصرخ ألمًا، و البرق يشتعل فزَعًا، و الأرض تصفّق طرَبًا و نشوةً، و الخلق يحلِّقون فرحًا. فعلمتُ أنها الشدائد تحمل في طيّاتها البشائر!
رأيتُ الطواويسَ تتصدر المجالس، و السياراتِ تسير على مياه المحيطات، و المريضَ يداوي الطبيب، و الفقيرَ يتصدّق على الثري، و الماء البارد يُوقِد النار. فعلمتُ أنها أمورنا عندما نُوكلها لغير أهلها!
رأيتُ الدنيا جالسةً مُتربّعةً على قدميها، و في يديها رحىً بالغة العظمة، يمتدُّ قُطْرُها من المشرق إلى المغرب. و عندما تديرها لا يهرب الناس. و عندما تطحنهم يضحكون. فعلمتُ أنها رحى الوقت!
رأيتُ قبوراً محفورةً في السحاب، يتساقط منها موتى يمشون على الأرض، و يعيشون في قلوبنا، و نلتقيهم في مجالسنا، و يحضرون في أحاديثنا. فعلمتُ أنه الذكر الطيّب الذي يخلف الإنسان بعد رحيله!
رأيتُ كل هذا، كما يرى النائم، و لكنني كنتُ يقظًا!
أضف تعليقك على الموضوع