(ملوك العرب) قبل الاسلام

(ملوك العرب) قبل الاسلام

 

(ملوك العرب) قبل الاسلام
المغيري ( مؤلف عربي من قلب جزيرة العرب ) ؛ عاش بين قرنين . أي - بالضبط - بين العامين ( 1285 -1364 هـ ).) وهو : عبد الرحمن بن حمد بن زيد المغيري – رحمه الله – الف كتابه الفريد والصريح في الانساب فكان مرجع في ذاك القرن و القرن الذي تلاه ؛ وأسماه :

(المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب )

ويتميز هذا الكتاب العظيم بتفرده بحقائق ادهشت علماء عصره لكونها تخرج عليهم لأول مرة ( بعد انقطاع التأليف ) في تاريخ جزيرة العرب و انسابهم منذ قرون خلت .

ولكونه صرح بانساب بطون و فخوذ قبائل ( تخلت و خلعت انسابها الحقيقية الماضية ) وانخرطة في وحدات اندماجية مع قبائل في مواقع ( قريبة او بعيدة ) عن اصولها ودخلت فيها و معها في تحالفات ( شابة ) و جديدة ؛ مما جعلها تنساق الى تناسي كل ما يربطها بأصولها الحقيقية الماضية . فقد آلمهم و ساءهم ما ذكره ( المغيري ) وما كشفه من انسابهم الحقيقية .

ومن اجل هذا بالذات انبرى له خصوم من كل صنف ولون و تنادوا عليه لينالوا منه ومن كتابه العظيم . ولكن كان له في المقابل من يمجده و يرفع من قدره و قدر كتابه هذا . فكانت ( هذه بتلك ) .


( المهم ) – ان كتابه هذا لم يكن كله حديث عن الأنساب بل انه افرد قرابة (40 ) صفحة في مقدمة الكتاب للحديث عن ملوك العرب و وصاياهم في الجاهلية ( منذ آلاف السنين ) في الزمن الموغل في القدم .

وعندما تأملنا ( تلك الوصايا ) وجدناها عجيبة و فاعلة آتت ثمارها فيمن عمل بمضمونها في الاجيال التالية ؛ فكانت هي ( الحكمة اليمانية ) التي شهد لهم بها المصطفى صلوات الله و سلامه عليه عندما قال : ( الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ) .

ونستطيع ان نقول بأن المغيري رحمه الله يعتبر مؤرخ ( القحطانية ) لتوسعه في تاريخهم و تاريخ ملوكهم منذ اقدم الدهور .

وبالطبع فانه لم ينسى ( بجيلة ) عند ذكره بعض الاحداث التي عاصرت سيل العرم الشهير و انهيار سد مأرب و تفرق العرب في الأقطار . وستجدون ذلك في ثنايا هذا الموضوع .

وبالطبع ستكون هناك ( في الداخل ) عجائب و معلومات جديدة و مفاجآت ( قد ) ترونها او تطلعون عليها لاول مرة ؛ ومنها :

1- خبر خراب سد مآرب و تفرق قبائل العرب ( القحطانية ) في الآفاق.
2 - خبر ( ذو القرنين ) و كذلك خبر ( الملكة بلقيس ) .
3 - ( قصة الملك الهدهاد بن شرحبيل وزوجته - ( الغزالة الجنية ) - ابنت ملك الجن . والدة الملكة بلقيس ) .
4 - ( قصة عبد المطلب بن هاشم مع الملك سيف بن ذي يزن ) و التبشير بنبي العرب صلوات الله وسلامه عليه .
5 - محاولة ملوك العرب ( خوض عباب بحر الظلمات ) – المحيط الاطلسي ؛ ( مرتين ) للعبور الى العالم الجديد - المجهول - ( الأمريكتين ) و اكتشافها قبل الأوربيين ؛ ونتائج محاولاتهم .

ملاحظة:- ( لدي كتاب نادر ) يذكر فيه مؤلفه بان ( العرب اكتشفوا امريكا قبل الغرب ) ؛ وذكر ايضاً ( وجود قبائل عربية قديمة استوطنت امريكا ) وحدد اماكنهم هناك ؛ و أمور عجيبة اخرى تثبت وجود العرب هناك منذ عصور قديمة . وقد تسمح لنا الظروف لاحقاً فنقوم بتلخيصه و طرحه في هذا المنتدى بمشيئة الله ( ان اردتم ذلك ) .

( وقد قسمت هذا الموضوع الذي بين ايديكم اليوم الى خمسة اجزاء )

( والآن ) – نترككم مع هذا الموضوع ( و بخاصة اخوتنا المؤرخين هواة التاريخ و التراث العربي الاصيل ) و نتمنى لكم معه اوقات سعيدة :

قال المغيري رحمه الله في( المنتخب )

في ذكر قحطان وذكر كتاب وصايا الملوك

أجمعت العلماء على أن ( هود ) عليه السلام نبي مرسل بعثه الله تعالى بعد نوح عليه السلام بشيراً ونذيراً وأميناً على وحيه ورسالته وهو الذي يقول فيه الشاعر القحطاني شعراً:

أبونا نبي الله هود بن عابر فنحن بنو هود النبي المطهر

وهو : هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام ؛ وقيل انه ابو قحطان .
وذكروا أن هوداً عليه السلام أوصى بنيه فقال لهم:

أوصيكم بتقوى الله وطاعته؛ والإقرار بوحدانيته، وأحذركم الدنيا فإنها خداعة غير باقية لكم ولا أنتم باقون عليها، فاتقوا الله الذي إليه تحشرون. ولا يغرنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين.

ثم أقبل على قومه يوصيهم بما وصى به بنيه ويعظهم بما حكى الله تبارك وتعالى عنه: ( وإلى عاد أخاهم هودا ) إلى آخر الآية فكان من ردهم عليه ( يا هود ما جئتنا ببينة ) إلى آخر الآية.

ثم إن قحطان بن هود بعد أبيه نزل اليمن وملكها، ويقال: إنه أول من لبس التاج وأول من سلم عليه بأبيت اللعن ، كان له من الولد: يعرب وجرهم وعمان وحضرموت والحارث كما ذكره البيهقي. وقيل كان له عشرة من الولد،

وذكروا أن قحطان أوصى بنيه، فقال لهم:

إنكم لم تجهلوا ما نزل بعاد دون غيرهم لما عتوا على ربهم، واتخذوا آلهة يعبدونها من دون الله، وعصوا أمر نبيهم هود وهو أبوكم الذي علمكم الهدى وعرفكم سواء السبيل، وما بكم من نعمة فمن الله. وأوصيكم بذي الرحم خيراً، وإياكم والحسد، فإنه داعية إلى القطيعة. وأخوكم يعرب خليفتي فيما بينكم، فأسمعوا له وأطيعوا، و أحفظوا وصيتي وأعملوا بها، وأثبتوا عليها.

ثم إن يعرب بن قحطان حفظ وصية أبيه وثبت عليها وهو أعظم ملوك العرب على اليمن، وأول من حياه قومه بتحية الملك، قال ابن سعيد: هو الذي ملك بلاد اليمن وغلب عليها قوم عاد، وغلب العمالقة على الحجاز، وعاد بن قحطان على الحجر، وحضرموت بن قحطان على بلاد حضرموت، وعمان بن قحطان على بلاد عمان.

قال ابن حزم: ومن ولد الحارث بن قحطان الأسور وهم رهط حنظلة بن صفوان بن الرس، والرس ( ما بين نجران إلى اليمن، وحضرموت إلى اليمامة )، ذكر في العبر.
وذكروا أن يعرب هو أول من تكلم بالعربية الواسعة ، وأنطلق بأفصحها وأبلغها وأوجزها.والعربية منسوبة إليه مشتقة من أسمه،

ثم ان يعرب بن قحطان جمع بنيه وأوصاهم فقال لهم يا بني:

أحفظوا مني خصالا عشراً تكن لكم ذكراً وذخراً، يا بني تعلموا العلم وتحلوا به، وأتركوا الحسد عنكم ولا تلتفتوا إليه، فإنه داعية إلى القطيعة فيما بينكم، وتجنبوا الشر وأهله، فإن الشر يجلب إليكم الأشرار. وأنصفوا الناس من أنفسكم لينصفوكم من أنفسهم. وإياكم والكبرياء، فإنها تبعد قلوب الناس عنكم، وعليكم بالتواضع؛ فإنه يقربكم من الناس ويحبيكم إليهم، واصفحوا عن المسيء؛ فإن الصفح عن المسيء يحسم العداوة ويزيد السؤدد، والسؤدد مع الفضل فضل وافر، والجاه الدخيل على أنفسكم جماله جمالكم، ولئن يسوء حال أحدكم خير له أن يسيء حال جاره، لا تفتقد الناس إلا المقتدى به، وانصروا الموالي فإنهم مواليكم في الحرب والسلم، وحقهم عليكم مثل حق أحدكم على سائركم، وإذا استشاركم أحد فأشيروا عليه بما تشيرون به على أنفسكم، فإنها أمانة ألقاها في أعناقكم؛ والأمانة كما تعلمون. وتمسكوا باصطناع الرجال؛ فإنه أجدى أن تسودوا بهم غيركم، وأحرى أن يزيدكم ذلك شرفاً وفخراً إلى آخر الدهر.

وذكر أن يشجب بن يعرب ولى الملك بعد أبيه، وثبت على هذه الوصية دون غيره من سائر اخوته وعشيرته، فساد الجميع بثباته على الوصية وحفظه إياها. قال بعض النسابين: سألت عن اخوة بنو يعرب، فقيل العمالقة الأولى من ولد إرم ابن سام بن نوح، والفئة الأخرى الذين هم سكان مكة ونواحيها من ولد يعرب واخوتهم طسم و جديس والحي من جرهم وعاد الصغرى.

فكان يشجب بن يعرب قد سادها ولاء من اخوته وسائر عشيرته.

ثم إن يشجب بن يعرب بن قحطان وصى بنيه فقال لهم:

يا بني إني لم أسد اخوتي وعشيرتي إلا بحفظ وصية أبي يعرب بن قحطان، وبعملي بها، وبثباتي عليها؛ وإن أبي يعرب بن قحطان لم يسد اخوته وعشيرته إلا بحفظ وصية أبيه، وإن قحطان لم يسد اخوته وعشيرته إلا بحفظ وصية أبيه هود عليه السلام وحفظه إياها وعمله بها، فأقيموا على ما وجدتموني عليه فهو الذي شرفني.

ثم قال كلاما شعرا ذكر فيه ابنه عبد شمس، وعبد شمس ابنه هو سبأ؛ لأنه أول من سبا السبي وأسر الأسارى وبنى مدينة سبأ وسد مأرب.
وقال صاحب التيجان: إنه غزا الأقطار؛ ويقال: إنه طاف فيما بين المشرق والمغرب، يضرب الأرض العاصية حتى فتحها. وبنى مدينة عين شمس بمصر وولي عليها ابنه بليون. وكان لسبأ عدة أولاد وأشهرهم حمير وكهلان اللذان منهما الأمتان العظيمتان، ومن بنيه مسروح ذكره في العقد الفريد؛ وعد ابن حزم في ولده زيدان وابنه نجران، وبه سميت بلد نجران، وزاد السهيلي، ومن ولده وائل ومالك .

وذكروا أن سبأ ثبت على وصية أبيه يشجب وحفظها وعمل بها، فساد إخوته وعشيرته. وكان ملك الجميع وعمادهم. ويقال إنه أغار على بابل بالخيل ففتحها، وأخذ إتاوتها وضرب بالخيل والرجال في الأرض وكان لا يذكر له بلد قصدها وفتحها، وطاف مشارق الأرض ومغاربها وبذلك سمي سبأ.

وقد ذكره ابن جرير في تفسيره: قال حدثنا أبو كريب أبو أسامة؛ حدثنا الحسن أبو الحكم، حدثنا أبو سبرة النخعي، عن عروة بن مسيك القطيني رضى الله عنه أنه قال: يا رسول الله أخبرنا عن سبأ أرض هي أم امرأة? قال صلى الله عليه وسلم: "ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل من العرب، ولد له عشرة من الولد، فتيا من ستة، وتشاءم أربعة، فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وعاملة وغسان، وأما الذين تيامنوا فمنهم كندة والأشعريون والأزد ومذحج وأنمار، فقال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق؛ إسمة في الأصل عبد الشمس بن يشجب بن يعرب ابن قحطان وهو أول من بشر برسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه المتقدم.

وذكر الهمداني في بعض كتبه أن سبأ جمع أهل مملكته ووجوه أهل بيته وعشيرته، وأجلس ابنه حمير عن يمينه، وأجلس ابنه كهلان عن شماله؛ ثم قال:

أيها الناس اعطوني عهودكم ومواثيقكم إن بغت يميني على شمالي أن تمنعوها، أو شمالي على يميني أن تمنعوها، فأعطوه العهود والمواثيق على ذلك ثم قال لهم: إني لم أرد يميني وشمالي إلا حمير وكهلان، وإني لم آمن أن يختلفا بعدي في الأمور، ولم آخذ العهود والمواثيق عليكم إلا لتحولوا بعدي بين من يروم من هذين لصاحبه سوءاً وخلافاً، ويطلب أحدهما بعد أكثر مما يقسم له، إن حميراً اكبر من كهلان وحقه أن يكون يميني، وكهلان أصغر من حمير وحقه أن يكون شمالي، وإن نصيب حمير من ملكي مثل نصيب يميني من بدني، وإن نصيب كهلان من ملكي مثل نصيب شمالي من بدني. فيا أيها الناس من يصلح لليمين من الملك فأدعوه لليمين، وانظروا ما يصلح للشمال من الملك فأدعوه للشمال،

قال: فدفعوا لليمين السيف والقلم والسوط، وحكموا لليمين بذلك قالوا هذه ثلاثة أشياء تعمل بها اليمين، ولا تعمل بها الشمال دون اليمين في الرؤى، قال: ثم حكموا بأن صاحب السيف لا يصلح له إلا الثبات والوقوف في موضعه، وحكموا بأن صاحب القلم لا يكون إلا مدبراً فائقاً رائقاً، وحكموا أن صاحب السوط لا يكون إلا سائساً، ثم حكموا أن الوقوف والثبات والفتق والرتق والتدبير والرياضة والسياسة لا تكون إلا للملك الأعظم الراتب في دار المملكة ومكابدة الأعادي حيث كانوا، وحكموا أن الرأس يرد به البأس وتقهر به الحروب عند التلاقي، وتجشم به المدارك، وحكموا أن القوس ينال به المناوي والمناصي على البعد منها ثم حكموا بأن قيادة أعنة الخيل ومكابدة الأعادي حيث كانت، ورد البأس والقهر عند التلاقي، ومناوات الأعداء ومناصاتها لا تصلح إلا لصاحب الدولة الذّاب عنها، والرامي عن حوزتها، والساد لخللها، والقائم لحروبها، وإصلاح الثغور وسدها، وهو كهلان.

فتقلد حمير الملك الراتب في دار المملكة وسلم إليه، وسمي يمينا لجلوسه عن يمين أبيه. وتقلد كهلان الأطراف والثغور وأعمالها وحروبها ومناوات الأعادي ومناصاتها حيث كانت. ولكهلان على حمير المعونة من المال والنجدة، ولحمير على كهلان الطاعة وكفاية ما تقلده. ثم إن حمير وكهلان لم يزالا على ذلك، وكذلك أولادهما من بعدهما وأولاد أولادهما.

ثم إن حمير جمع بنيه. قال أبو محمد بن حزام كان له من الولد "الهميسع ومالك وزيد ووائل ومسروح ومعد يكرب وأوس ومرة". وعاش فيما قال السهيلي ثلاثمائة سنة.

وهو أول من توج بالذهب. وقال لبنيه في وصيته:

يا بنيّ ما اجتمع اثنان متوازران متعاضدان على خمسة من أشتات الناس إلا غلباهما، وملكا أسرهم. وما أجتمع خمسة نفر متعاضدون متوازرون على عشرة من أشتات الناس إلا غلبوهم وملكوا أسرهم. وأيما عصابة غلبت أربعين رجلا يوشك أن يغلبوا المائتين، وغلاب المائتين حريون أن يغلبوا الألف. وما من رجل أطاعه واحد فقام له بالمجازاة إلا أطاعه عشرة، وما من رجل أطاعه عشرة فقام لهم بمجازاتهم إلا أطاعه مائة، وما من رجل أطاعه مائة فقام لهم بمجازاتهم إلا أطاعه ألف وما من رجل أطاعه ألف رجل إلا وقد ساد لا محالة، ومن ساد فقد ملك ومن ملك فقد أوتي المنتهى من أمله في دنياه .

يا بني: أطيعوا الأرشد منكم، ولا تعصوا الهميسع فإنه خليفتي عليكم وأميني فيما بينكم، وإنه لسيفكم، وما السنان لولا الرمح، بل وما الرمح لولا السنان. أنتم بالهميسع وله، والهميسع بكم ولكم.

ثم إن الهميسع بن حمير ولي الملك بعد أبيه وحفظ وصيته وثبت عليها وعمل بها، وأجراهم على ما أجراهم عليه أبوه حمير، وسار فيهم سيرته، وكذلك الأيمن بن الهميسع ولي الملك بعد أبيه الهميسع وساد إخوته وعشيرته.

ثم إن الأيمن لما ولى الملك بعد أبيه سار في الناس بسيرة أبيه وجده وحفظ جميع ما انتهى إليه من وصايا آبائهم وأسلافهم التي كانوا يعملون عليها، ويوصون بها. ويحفظونها لسياسة الملك، وصيانة الدولة.

ثم ولى الملك بعد الأيمن ابنه زهير، ثم إن زهير لما ولى الملك بعد أبيه كان من أحسن الملوك سيرة. ثم إنه وصى ابنه عريب بن زهير، ولم يكن له غيره فقال له:

يا بني قد انتهى إليك ما كان من وصية جدك سبأ بن يشجب، وما أفترق عليه الاثنان يوم الوصية والقسمة، وهما: جداك حمير وكهلان فلا تجرين أمراً إلا ما جرى به عليه الاثنان من لدنهما إلى هذه الغاية. وأوصى بذلك من صلح لهذا الأمر من ولدك. فأوصيك بالثبات على ما وجدتني عليه من العدل في الرعية، والتجاوز عن المسيء، والبعد عن إيذاء العشيرة والتحبب إليها، فما المرء إلا بقومه وإن عزّ وعلا.


ثم إن عريب ولي الأمر بعد أبيه وثبت على وصيته وعمل بها وأجراهم عليه، ثم إنه وصى بنيه وكانوا أربعة: صباح ونجادة وأبرهة وقطن، فقال لهم:

يا بني إني وجدت الشرف والسؤدد والعزة والنجدة والطاعة والملك يدور على ستة أشياء، يا بني وجدت السؤدد لا ينال إلا بالكرم، ولا سؤدد لمن لا كرم له، وإني وجدت العز في العدد حيث كان، ولا عز لمن لا عدد له، ولا عدد لمن لا عشيرة له، وإني وجدت النجدة في الأيادي ولا نجدة لمن لا أيادي له، وإني وجدت الطاعة في العدل ولا طاعة لمن لا عدل له، وإني وجدت الملك في إصطناع الرجال ولا ملك لمن لا اصطناع له، يا بني: احفظوا وصاتي ولا تعصوا قطنا أخاكم فإنه خليفتي عليكم، ووليّ الملك بعدي.

قال ثم إن قطنا ولي الملك بعد أبيه وسار في الناس بسيرته وسيرة أسلافه وقلّد الملك في حياته ابنه الغوث، فقال له يا بني:

إني لم أقلدك الملك رغبة عنه ولكني أردت أن أقف على سيرتك في الناس وسياستك في الملك، وأن أعلم كيف طاعتهم لك، كي لا أخرج من الدنيا ولي غصة من ذلك في أمرك وأمر الناس. يا بني أوصيك باخوانك أن تفعل لهم ما فعلت لك، وأن تبذل لهم نصيحتك، وتخفض لهم جناحك، وأسألك أن تفعل بعشيرتك ما سألتك أن تفعل لإخوانك، فما الراحة إلا في الأصابع، والساعد بالعضد .

ثم إن الغوث بن قطن ولي الملك في حياة أبيه وبعد وفاته دهرا طويلا، وكان من أحسن الناس سيرة وأثبتهم على سنن آبائه وأجداده، ثم إن ابنه وائل بن الغوث ولي الملك بعده وكانت وصية الغوث لإبنه وائل هذه:

يا بني إن الملك دار بناها الله تعالى لأسلافك فعمروها بالعدل والإحسان، وكذلك ورثتها ممن قبلي وكذلك اخلفها لك بعدي بعمارتها؛ فأعمرها بما كان يعمرها أسلافك. وأعلم أن الدار دار ما بنيت حيطانها وشيدت أركانها، ولم يقع في شيء من بنائها ثلمة، فإن الثلمة يتبعها مثلها.فأوصيك بالرعية خيراً.

ثم إن وائل بن الغوث بن قطن ولي الملك بعد أبيه وساس الملك سياسةً حمدها أهل زمانه، وكذلك ابنه عبد شمس بن وائل ولي الملك بعد أبيه فسار في الناس بسيرة أسلافه وأجداده .

وعبد شمس هذا جد بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن معاوية بن شداد بن قطاط بن عمرو بن عبد شمس. فما من هؤلاء أحد إلا ملك ما ملك عبد شمس وأبوه من قبله، وأخبارهم تطول على الشرح.
وعمرو بن معاوية المعروف بابن علاف بن شداد بن المقطاط. ثم انتقل الملك من هؤلاء إلى حمير الأصغر وهو زرعة بن كعب بن سهل بن عمرو بن قيس ابن معاوية بن يشجب بن عبد شمس بن وائل بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بم الهميسع بن حمير الأكبر.

وذكر أن زرعة حسنت سيرته في الناس حين ولي الملك وكذلك ابنه شداد بن زرعة، وإن زرعة وصى ابنه شداداً فقال له:

يا بني: لو كان ملك يستغني بثاقب رأيه دون آراء الناس لفضل عقله وكمال معرفته وبارع أدبه وفطنته، وعلى ما تقدم من التجارب لأسلافه مما حفظه ورواه وأحاط به من سنن الأوائل من آباءه وملوك قومه وسنن الماضين، لكنت أغنى الناس عن مشاركة الآراء ومشاركة الأقيال ووصية الموصين. على أنه لا بد للملك من معين يعينه في الرأي والأمر والنهي، ولا بد له من مشير يحمل عنه بعض ما يثقل عليه من ذلك، ولا بد للولد من وصية الوالد قلّت الوصية أو كثرت.

وذكروا أن شداد بن زرعة وفي نسخة سداد بالسين المهملة مشتقة من السداد، ولي الملك دهر طويلاً لا يعصيه أحد من حمير ولا كهلان في ملكه، الذي أحاط له بأكثر الأرض ومن فيها، وأنه سار في الناس بسيرة آبائه وأجراهم على سنن أجداده، وحفظ وصايا الأوائل من أسلافه، وعمل بها وثبت عليها، إلى أن مات وانتقل الملك إلى عمه الحارث.

وكان مالك بن حمير قد غلب أهل عمان عليها ملك بعده ابنه قضاعة ثم بعده ابنه إلحاف ثم ابنه مالك بن إلحاف ثم وقع الحرب بين مالك وبين ال***ك بن وائل بن حمير، فغلب مالك على عمان وملك بعد ال***ك يعفر ابنه ثم خلفه بعده ابنه النعمان،
ويعفر يعرف بالعارف واستبد عليه من بني حمير ماران بن عوف بن حمير ويعرف بذي رياش وكان صاحب البحرين فنزل نجران، وأشتغل بحرب مالك بن إلحاف، ولما كبر النعمان حبس ذارياش وأستبد بأمره وطال عمره،

وملك بعده ابنه أسحم،

وعند ذلك اضطربت أمور حمير، وكان الملك طوائف، وكان بنو كهلان يداولون الملك مع بني حمير. وملك من شعوب قحطان من بني زيدان ابن يعرب بن أبين بن زهير المتقدم ذكره، وأبين هذا الذي تنسب له العرب باليمن،

وملك منهم أيضاً عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيران بن قطن المتقدم ذكره، ثم ملك بعده ابنه شداد المتقدم ذكره .
وقيل إنه شداد بن قطن الماطاط بن عمرو بن ذي هرم بن الهوار وبعده أخوه لقمان. ثم إخوته ذو شدد ويطوذ ومراثل. وبعضهم يقول ذو وائل وبعضهم يقول ذو مداثر، وهو الحارث جد الملوك التبابعة. واستقر الملك في بنيه من بعده، وسمي الرائش؛ لأنه قسم أرض اليمن سهلها وجبلها وأوديتها بين عشائره وأعانهم على عمارتها، وأخرج لهم المشغلات؛ فنعم الناس والعشائر، واستغنى بعضهم عن بعض وعن كثير مما كانوا محتاجين إليه مما في يده؛ فلهذا سموه الرائش واسمه الحارث،

وهو أول ملك اخترع الدروع لأصحابه وألبسهم إياها ، وذكر ابن سعيد عن مؤرخي الشرق ونقله أن الحارث الرائش الذي ملك بعده ابنه الصعب، وهو ( ذو القرنين ) بن الحارث . الذي ورد ذكره في القرآن الكريم .

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5

أضف تعليقك على الموضوع

code
||