الأرملة المرضعة - للشاعر العراقي معروف الرصافي
- الشعر الشعبي والنبطي والفصيح
- 13/7/2019
- 1235
- منقول للفائده
الأرملة المرضعة - للشاعر العراقي معروف الرصافي
كان الشاعر العراقي الكبير / معروف الرصافي جالسًا في دكان صديقه محمد علي، الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد ..
بينما كان الرصافي يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه التتنجي، وإذا بإمرأة محجبة ، يوحي منظرها العام بأنها فقيرة ، وكانت تحمل صحنًا من (الجينكو)، وطلبت بالإشارة من صاحبه أن يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن، لكن صاحب الدكان خرج إليها وحدثها همسًا، فانصرفت المرأة الفقيرة .
هذا الحدث جعل الرصافي يرسم علامات استفهام كبيرة، وقد حيّره تصرف السيدة الفقيرة، وتصرف صاحبه التتنجي معها همسًا ، فاستفسر من صديقه عنها .
فقال له :
إنها أرملة تعيل يتيمين، وهم الآن جياع، وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما خبزًا، فما كان من الرصافي إلا أن يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشًا كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء، وسلمت الصحن للرصافي وهي تقول : " الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن " فرفض الرصافي وغادرها عائدًا إلى دكان صديقه وقلبه يعتصر من الألم .
عاد الرصافي إلى بيته، ولم يستطع النوم ليلتها، وراح يكتب هذه القصيدة والدموع تنهمر من عينيه كما أوضح هو بقلمه وهذا يعني أن ..
( قصيدة الأرملة المرضعة ) كتبت بدموع عيني الرصافي، فجاء التعبير عن المأساة تجسيدًا صادقًا لدقة ورقة التعبير عن مشكلة اجتماعية استأثرت باهتمام المعلمين في المدارس الإبتدائية فيما بعد واعتبروها انموذجًا، جسّد معاناة الرصافي حيث استأثر بموضوع الفقر والفقراء .
تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة .
***
***
لَـقِـيـتُـها لَـيْـتَـنِي مَـــا كُــنْـتُ أَلْـقَـاهَـا
تَـمْشِي وَقَـدْ أَثْـقَلَ الإمْـلاقُ مَـمْشَاهَا
أَثْــوَابُــهَــا رَثَّـــــةٌ والـــرِّجْــلُ حَــافِــيَـةٌ
وَالــدَّمْـعُ تَــذْرِفُـهُ فـــي الـخَـدِّ عَـيْـنَاهَا
بَـكَـتْ مِــنَ الـفَـقْرِ فَـاحْـمَرَّتْ مَـدَامِـعُهَا
وَاصْـفَـرَّ كَـالـوَرْسِ مِــنْ جُــوعٍ مُـحَـيَّاهَا
مَــاتَ الــذي كَــانَ يَـحْـمِيهَا وَيُـسْعِدُهَا
فَـالـدَّهْـرُ مِــنْ بَـعْـدِهِ بِـالـفَقْرِ أَشْـقَـاهَا
الــمَــوْتُ أَفْـجَـعَـهَـا وَالــفَـقْـرُ أَوْجَــعَــهَ
وَالـــهَــمُّ أَنْــحَـلَـهَـا وَالــغَــمُّ أَضْــنَـاهَـا
فَـمَـنْـظَرُ الــحُـزْنِ مَـشْـهُـودٌ بِـمَـنْظَرِهَا
وَالـــبُــؤْسُ مَــــرْآهُ مَــقْــرُونٌ بِــمَـرْآهَـا
كَـــرُّ الـجَـدِيـدَيْنِ قَـــدْ أَبْــلَـى عَـبَـاءَتَهَا
فَـانْـشَـقَّ أَسْـفَـلُـهَا وَانْــشَـقَّ أَعْـلاَهَـا
وَمَــزَّقَ الـدَّهْـرُ ، وَيْــلَ الـدَّهْـرِ، مِـئْزَرَهَا
حَـتَّى بَـدَا مِـنْ شُـقُوقِ الـثَّوْبِ جَـنْبَاهَا
تَـمْـشِـي بِـأَطْـمَـارِهَا وَالـبَـرْدُ يَـلْـسَعُهَا
كَـــأَنَّــهُ عَـــقْــرَبٌ شَـــالَــتْ زُبَــانَــاهَـا
حَـتَّـى غَــدَا جِـسْـمُهَا بِـالـبَرْدِ مُـرْتَـجِفَاً
كَـالغُصْنِ فـي الـرِّيحِ وَاصْـطَكَّتْ ثَـنَايَاهَا
تَـمْـشِـي وَتَـحْـمِلُ بِـالـيُسْرَى وَلِـيـدَتَهَا
حَـمْـلاً عَـلَـى الـصَّـدْرِ مَـدْعُومَاً بِـيُمْنَاهَا
قَـــــدْ قَـمَّـطَـتْـهَـا بِـــأَهْــدَامٍ مُــمَـزَّقَـةٍ
فــي الـعَيْنِ مَـنْشَرُهَا سَـمْجٌ وَمَـطْوَاهَا
مَــا أَنْـسَ لا أنْـسَ أَنِّـي كُـنْتُ أَسْـمَعُهَا
تَـشْـكُـو إِلَـــى رَبِّــهَـا أوْصَـــابَ دُنْـيَـاهَا
تَــقُــولُ يَــــا رَبِّ، لا تَــتْـرُكْ بِـــلاَ لَــبَـنٍ
هَـــذِي الـرَّضِـيـعَةَ وَارْحَـمْـنِـي وَإيَــاهَـا
مَـــا تَـصْـنَعُ الأُمُّ فــي تَـرْبِـيبِ طِـفْـلَتِهَا
إِنْ مَـسَّـهَا الـضُّـرُّ حَـتَّـى جَــفَّ ثَـدْيَـاهَا
يَــا رَبِّ مَــا حِـيـلَتِي فِـيـهَا وَقَــدْ ذَبُـلَتْ
كَـزَهْـرَةِ الــرَّوْضِ فَـقْـدُ الـغَـيْثِ أَظْـمَاهَا
مَــا بَـالُـهَا وَهْــيَ طُــولَ الـلَّـيْلِ بَـاكِـيَةٌ
وَالأُمُّ سَـــاهِـــرَةٌ تَــبْــكِـي لِـمَـبْـكَـاهَـا
يَــكَـادُ يَـنْـقَـدُّ قَـلْـبِـي حِــيـنَ أَنْـظُـرُهَـا
تَـبْـكِي وَتَـفْـتَحُ لِــي مِـنْ جُـوعِهَا فَـاهَا
وَيْــلُـمِّـهَـا طِــفْــلَـةً بَـــاتَــتْ مُـــرَوَّعَــةً
وَبِــتُّ مِــنْ حَـوْلِـهَا فــي الـلَّيْلِ أَرْعَـاهَا
تَـبْـكِـي لِـتَـشْـكُوَ مِـــنْ دَاءٍ أَلَـــمَّ بِــهَـا
وَلَــسْـتُ أَفْـهَـمُ مِـنْـهَا كُـنْـهَ شَـكْـوَاهَا
قَــدْ فَـاتَـهَا الـنُّـطْقُ كَـالعَجْمَاءِ، أَرْحَـمُهَا
وَلَــسْــتُ أَعْــلَـمُ أَيَّ الـسُّـقْـمِ آذَاهَـــا
وَيْـــحَ ابْـنَـتِـي إِنَّ رَيْــبَ الـدَّهْـرِ رَوَّعَـهـا
بِـالـفَـقْرِ وَالـيُـتْـمِ ، آهَـــاً مِـنْـهُـمَا آهَــا
كَــانَــتْ مُـصِـيـبَـتُهَا بِـالـفَـقْـرِ وَاحَــــدَةً
وَمَـــــوْتُ وَالِـــدِهَــا بِــالـيُـتْـمِ ثَــنَّــاهَـا
هَـذَا الـذي فـي طَـرِيقِي كُـنْتُ أَسْمَعُهُ
مِـنْـهَـا فَـأَثَّـرَ فــي نَـفْـسِي وَأَشْـجَـاهَا
حَــتَّـى دَنَـــوْتُ إلَـيْـهَـا وَهْــيَ مَـاشِـيَةٌ
وَأَدْمُـعِـي أَوْسَـعَـتْ فـي الـخَدِّ مَـجْرَاهَا
وَقُـلْـتُ : يَــا أُخْــتُ مَـهْـلاً إِنَّـنِـي رَجُـلٌ
أُشَـــارِكُ الــنَّـاسَ طُـــرَّاً فـــي بَـلاَيَـاهَا
سَـمِعْتُ يَـا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا
فـــي قَـالَـةٍ أَوْجَـعَـتْ قَـلْـبِي بِـفَـحْوَاهَا
هَـلْ تَـسْمَحُ الأُخْـتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا
مَــا فــي يَــدِي الآنَ أَسْـتَرْضِي بِـهِ اللهَ
ثُــمَّ اجْـتَذَبْتُ لَـهَا مِـنْ جَـيْبِ مِـلْحَفَتِي
دَرَاهِــمَــاً كُــنْــتُ أَسْـتَـبْـقِي بَـقَـايَـاهَا
وَقُـلْـتُ يَــا أُخْــتُ أَرْجُــو مِـنْكِ تَـكْرِمَتِي
بِــأَخْـذِهَـا دُونَ مَــــا مَــــنٍّ تَـغَـشَّـاهَـا
فَــأَرْسَـلَـتْ نَــظْــرَةً رَعْــشَــاءَ رَاجِــفَـةً
تَـرْمِـي الـسِّـهَامَ وَقَـلْـبِي مِـنْ رَمَـايَاهَا
وَأَخْــرَجَــتْ زَفَــــرَاتٍ مِــــنْ جَـوَانِـحِـهَـا
كَـالـنَّارِ تَـصْـعَدُ مِــنْ أَعْـمَـاقِ أَحْـشَـاهَا
وَأَجْـهَـشَـتْ ثُــمَّ قَـالَـتْ وَهْــيَ بَـاكِـيَةٌ
وَاهَـــاً لِـمِـثْـلِكَ مِـــنْ ذِي رِقَّـــةٍ وَاهَـــا
لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي
مَــا تَــاهَ فــي فَـلَـوَاتِ الـفَقْرِ مَـنْ تَـاهَا
أَوْ كَــانَ فــي الـنَّـاسِ إِنْـصَافٌ وَمَـرْحَمَةٌ
لَـــمْ تَــشْـكُ أَرْمَــلَـةٌ ضَـنْـكَـاً بِـدُنْـيَـاهَا
هَـــذِي حِـكَـايَـةُ حَــالٍ جِـئْـتُ أَذْكُـرُهَـا
وَلَـيْـسَ يَـخْـفَى عَـلَى الأَحْـرَارَ فَـحْوَاهَا
أَوْلَـــى الأَنَـــامِ بِـعَـطْفِ الـنَّـاسِ أَرْمَـلَـةٌ
وَأَشْــرَفُ الـنَّـاسِ مَــنْ بِـالمَالِ وَاسَـاهَا
أضف تعليقك على الموضوع