حين يتحوّل الكرم إلى مسرحية استعراضية

حين يتحوّل الكرم إلى مسرحية استعراضية

 

حين يتحوّل الكرم إلى مسرحية استعراضية

-لم يعد الكرم عند بعض الناس عفوياً ، ولا عُرف الضيافة موروثاً نقياً ، بل تحوّل إلى مهرجان “هياط” تفرضه عدسات الجوالات ، وتغذّيه شهية الاستعراض ، حتى صرنا نرى في كل مناسبةإجتماعية كرنفالاً من التكلّف والتصنّع ،تخيّل أن يقف الضيف في الحوش أو الساحة وكأنه مذيع أخبار ، ليعطي “العلم” أمام الكاميرات ، ثم يخرج ليقول بملء فيه:-
“جينا ومعنا رمز عطاء ومبلغ وقدره…”. وكأنها صفقة تجارية لا زيارة أخوية!!! وكأن المناسبة اجتماع جمعية خيرية مدعومة من صندوق النقد الدولي ، لا جلسة بين أهل وأقارب وأصدقاء ، والأدهى والأمرّ أن بعض المجالس لم تعد تحفظ مقاماتها ، ترى الصغير يتقدّم الكبير في الكلمة والمكان ، ونرى ممن أغتنوا في غفلة من الزمن يصولون ويجولون يختالون كالطووايس وتتحوّل الليلة إلى حفل خطابي مملّ ، قصائد وصوتيات وتطبيل وإستعراض وتصوير مباشر ، حتى يغدو المُضيّف بطلاً قومياً لأنه ذبح بهيمة!!!!
وإذا ما ذبحت بهيمة ووقفت عليها كاميرا ، فمبروك! أصبحت بطلاً قومياً ، وبيتَ كرم يُشاد به في كل الأصقاع ، وقد رأينا ممن نحسبهم قدوة من مشائخ القبائل من يُعلن هداياه لمن أستضافهم على الملأ ، وآخر يُعلن لضيوفه كم من البهائم قام بذبحها ، وقس على ذلك من اعاجيب كرم هذا الزمان.
-هذه الممارسات ليست من كرمنا ولا من عاداتنا ، بل هي امتداد مباشر لـ موجة الهياط التي اجتاحت المجتمع مع جنون “أخذ اللقطة”. فأصبح همّ الكثيرين أن يوثقوا المشهد ، لا أن يعيشوا المعنى ، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الحاكم الجديد:- من لا يوثّق ، فكأنما لم يُضِف ولم يُكرِم.
-وهكذا طغت هيمنة الاستعراض على الجوهر ، وصار الكرم الحقيقي يُقاس بعدد المتابعين ، وعدسات السناب ، وبالسمعة المزعومة التي أُكتسبت ، لا بصدق النية وكرم الفعل.
-كرم أجدادنا لم يكن بحاجة إلى قصيدة تمدح ، ولا إلى تصوير من عشر زوايا . لقد كانوا يقدّمون الزاد ببساطة ، بلا إعلان ولا بروباغندا ،كانوا يعتبرون أن الكرم يُخفى ليُحفظ قدره ، لا يُعلن ليُستهلك كسلعة ، أجدادنا كانوا يكرمون الضيف في صمت ، يقدمون الطعام بلا منّة ولا “فلتر سناب”، يعتبرون الكرم ديناً وواجباً ، لا حملة دعائية.
-ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من “الحفلات الخطابية”،
بل عودة إلى روح الضيافة الأصيلة:- الكرم الصامت ، العطاء الخفي ، وتقدير الكبير قبل الصغير.
فالكرم الحقيقي لا يُختزل في ذبح بهيمة ، ولا يُرفع شأن صاحبه بكمّ القصائد التي أُلقيت في حقه ، ولا بعدد الفيديوهات الممنتجة التي أُذيعت إنما يُعرف الكرم عندما يُمارس ببساطة ، حين يُحفظ للضيف قدره دون منّة ، ويُقدَّم العطاء دون استعراض

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5

أضف تعليقك على الموضوع

code
||