خلاقين أمير الشعراء!

خلاقين أمير الشعراء!

 

الجهل الذي نشتمه كثيراً قد يكون عادلاً أحياناً. وربما صحّ لنا أن نقول:"لله در الجهل ما أعدله بدأ بصاحبه فكشفه"! الجهل بالأزياء والثقافات والشعوب يقود إلى احتقارها أو الضحك والقهقهة منها. حين استضفتُ في "إضاءات" الشاعر الموريتاني:محمد سيد ولد بمبا، الحائز على لقب أمير الشعراء بنسخة 2008، سعدت بردود الفعل الرائعة ولكنني تعجبتُ من بعض الذين يسخرون من الزي الموريتاني. الدراعة الموريتانية الجميلة التي كان يرتديها الضيف لباس له تاريخ، وهو ليس نكتة، وأحدهم يقول:"ما هذه الخلاقين التي يلبسها الشاعر"! والآخر يضحك من أعمق أعماقه وهو يتحدث عن الدراعة الموريتانية!

هذه المركزية في رؤية الآخر تنطلق من امتلاء أجوف بالذات، وإلا فإن ثيابنا يمكن أن تكون موضع سخرية لولا أنها تحضر في الإعلام، وترتدى بشكلٍ مكثف في الداخل والخارج، ما الذي يجعل اللبس الموريتاني خلاقين، ولبس بقية المجتمعات كاملةً مكلمة؟!

هل يسركم أن يقول أحد من عرب الشمال، وقد قالها لي يوماً: لا أظن أن من لبس العقال يمكن أن يكون لديه عقل!

فهل العقل مرتبط بثوب أو زي، بشماغ أو عقال؟! هل هذه إلا عنصرية بغيضة، تتكىء على آراء وصور نمطية مسبقة؟!

الأزياء جزء من ثقافات الشعوب وتاريخها وجزء من معاناتها وآلامها، الأزياء ليست اعتباطية، بل تعبر عن صميم الثقافة المجتمعية لأي أمةٍ ولأي بلد. والجهل بهذه الثقافة أو تلك لا يعفي الإنسان من مسؤولية التعلم والبحث عن أسرار الألبسة ولافت الثقافات وعجيب الحضارات وخصائص الأمم.

يبالغ بعضنا بالسخرية من الآخرين، سخرية من العقال القطري، ومن الوزرة الإماراتية، ومن كسرات الثوب الكويتي، وكأننا شعب الله المختار، وننظر إلى الآخرين بعينٍ مركزية بوصفنا المركز وهم الأطراف والهوامش، وهذا مرض يعالج بالنقد وتعليم الساخرين من الأمم بأهمية التواضع. نسخر من الهند التي تتصدر مع القوى الصناعية الكبرى اقتصاديات العالم، والتي سبقت في مجالات الفيزياء والعلوم الطبيعة، ونسخر من البنغلاديشيين الذين أنتجوا ثلاثة فائزين بجائزة نوبل، ومن الكوريين، ومن الصينيين واليابانيين، وكأننا الشعب الأكمل والذي لا يأتيه النقص!

بآخر السطر، القليل من المركزية والنرجسية برؤية الآخر، جئتُ بنموذج الشاعر ولد بمبا لنفهم كيف أننا لا نرى أنفسنا بذات المرآة التي نرى بها الآخر، لننظر إلى أخطائنا وثغراتنا قبل أن ننظر إلى الآخر بعين الانتقاص والاحتقار، فالدراعة الموريتانية ليست "خلقاناً" بل هو زي محترم لمجتمعٍ اشتهر بالعلم وحب المعرفة واللغة والأدب.

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5

أضف تعليقك على الموضوع

code
||