همة عالية وطموح كبير

همة عالية وطموح كبير

كان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين، فجيء بهما إلى قطائع ابن طولون أمير الديار المصرية وقتها ليباعا في أسواق العبيد، جلس كافور وصاحبه يتحدثان، وبدأ كل منهما يسأل الآخر عن أمنيته وطموحه.
 
قال صاحبه: أتمنى أن أباع لطباخ، لآكل ما أشاء وأشبع بعد جوع.
وقال كافور: أما أنا فأتمنى أن أملك مصر كلها، لأحكم وأنهى، وآمر فأطاع.
 
وبعد أيام بيع صاحبه لطباخ، وبيع كافور لأحد قادة مصر وما هي إلا أشهر حتى رأى القائد المصري من كافور كفاءة وقوة، فقربه منه، ولما مات مولى كافور قام هو مقامه، واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد، وما زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام والحرمين.
 
بعدها مر كافور يومًا بصاحبه فرآه عند الطباخ يعمل في جد وقد بدا بحالة سيئة، التفت كافور إلى أتباعه وقال: "لقد قعدت بهذا همته فكان ما ترون، وطارت بي همتي فصرت كما ترون، ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعنا مصير واحد".
 
تحتاج الأمم جميعها إلى أصحاب الهمم والطموح، فهم صناع الحياة وقيادا المستقبل في أي أمة من الأمم في القديم والحديث.
وحتى في موازين الله تعالى في الدنيا والآخرة، فضَّل الله أصحاب الهمم العالية والطموح والمثابرة على غيرهم وإن كانوا مسلمين من أصحاب الحسنى، قال تعالى: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ? فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ? وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَى? ? وَفَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].
 
قال أبو فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم -ومن أهل الصفة-: "كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي صلى الله عليه وسلم: «سل»، فقلت: "أسألك مرافقتك في الجنة". فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أو غير ذلك؟» قلت: "هو ذاك". فقال عليه الصلاة والسلام: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» " [صحيح، صحيح مسلم (489)].
همة عالية وطموح كبير، تطير بصاحبها إلى الجنة.
 
قال المتنبي:
 
إذا غامرت في شرف مروم *** فـلا تـقـنع بمـا دون النجـــوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيـم
يـرى الجبنـاء أن العجز أمن *** وتلك خـديعـة الطـبـع اللئيـم
 
يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن لي نفسًا تواقة، وإنها لم تعط من الدنيا شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا -يعني الخلافة- تاقت نفسي إلى ما هو أفضل من الدنيا كلها؛ الجنة".
 
قال شوقي:
 
وما نـيـل المطــالـب بالتمنـي *** ولكن تـؤخـذ الدنيـا غلابـًا
وما استعصى على قوم منالٌ *** إذ الإقـدام كان لهم ركابـًا
 
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقف أمام العرب كلهم، وأصر على قتال المرتدين، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنـه تعجب من موقـف أبي بكر، وطلب منه أن يتريث، فقال أبو بكر: "والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة"... فقالوا له: "ومع من تقاتلهم؟" فقال: "وحدي حتى تنفرد سالفتي".
 
ولما فرّ عبد الرحمن الداخل -صقر قريش- من العباسيين، عرض عليه أهل المغرب أن يقيم عندهم ويحمونه، فقال: "إن لي همة هي أعلى من ذلك". وتوجه تلقاء الأندلس، ثم أهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها، وقال: "إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن"، وردها على صاحبها.
 
وهذا نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله صنع منبر المسجد الأقصى، وذلك قبل تحرير القدس بعشرين عامًا، حيث كان له مطلب سام، وهمة عالية تمثلت في تحرير المسجد الأقصى من قبضة النصارى، برغم أن الأمة الإسلامية كانت مفككة آنذاك والخلافات شديدة بين قيادات المسلمين.
هيأ القوة اللازمة للتحرير، وبنى مصانع للسلاح، ووحد أقطار المسلمين من شمال أفريقيا إلى مصر واليمن وبلاد الشام وشمال العراق، وجعل الناس يعيشون مرحلة التحرير وكأنها أمامهم، وما بناء المنبر إلا نوعًا من هذه التهيئة. وعندما توفي نور الدين جاء تلميذه من بعده صلاح الدين الأيوبي فأتم التحرير، ووضع منبر نور الدين في مكانه في المسجد الأقصى
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5

أضف تعليقك على الموضوع

code
||